جنازة الرجل الغريب

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

عبد الرحمن أقريش

كان صباحا حزينا ومؤلما.

مات الرجل الغريب، مات منتحرا بعد أن تراكمت عليه الديون، وتكالبت عليه المصائب، كان النعش جاهزا، محمولا على الأكتاف، والجنازة على وشك أن تنطلق صوب المقبرة، ولكن رجلا مجلببا وقف بالمرصاد، وقف أمام الناس يمنعهم.

– لن تخرج الجنازة حتى أستخلص ديوني التي بذمته، هو مدين لي، وأنا أريد مالي هنا والآن!!

بدا الموقف صادما، قاسيا ورهيبا، توقف الموكب.

الكثيرون لا يعرفون الرجل المنتحر، فهو عاش بينهم غريبا، ومات غريبا، لا زوجة، لا أبناء، لا أصدقاء، عاش وحيدا، فريدا مثل لغز، ولكنهم يعرفون (قارون)، الرجل المجلبب، لذلك شعروا بالغضب، الرجل معروف، يعتبره البعض ويعتبر نفسه من أعيان المدينة، تاجر ميسور الحال، بنى ثروته بعيدا عن الله، يلجأ إليه الفقراء وصغار الموظفين كلما ضاقت بهم الدنيا، الرجل كريم بطريقته، ولا يتأخر أبدا، تكفيه ضمانات وأوراق موقعة ليدفع سلفات يمتد سدادها شهورا وسنوات، سلفات مشفوعة بأقساط الفوائد المتراكمة والتي تلتف حول أعناق البؤساء مثل حبل لعين…

ساد الصمت للحظات، ثم انطلقت الهمهمات.

– لا حول ولا قوة إلا بالله…

– إنها جنازة يا رجل، إنه انتحار، إنها مأساة، ألا تفهم؟

– أعوذ بالله، أيعقل هذا؟

بدا (قارون) مصمما، يهمهم كلاما غير مفهوم عن المال والديون والأمانات التي ينبغي أن تعود إلى أهلها…

ينظر الناس، ينتظرون.

ثم اقترب المسؤول الأمني، مال على الرجل المجلبب، همس له بكلمات مهددة.

– ينبغي أن تشعر بالخجل، أنت وأمثالك من دفعه إلى الانتحار.

 تنحى الرجل أخيرا، وانطلق الموكب.

مقالات من نفس القسم