تماسك بنية “الوقت الخائن”  لهبة يوسف

ahmed farahat
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

د. أحمد فرحات

الوقت الخائن نص متماسك، من أوله لآخره، ينتمي إلى جنس أدبي محير للغاية، فهو تحت عنوان جانبي(مجموعة قصصية) مما يوهم بأنه قصص قصيرة، والحق أنه ينتمي إلى النوفيلا، شكلا ومضمونا، فهم كيان كلي منسجم في محتواه الإبلاغي”التواصلي” حيث تعالج فيه القاصة هبة يوسف قضايا اجتماعية عامة ابتداء من أوجه التحقق المعنى النصي الأصغر، وأوجه التماسك حتى الأبنية الكبرى المحورية.

يميل بعض النقاد إلى دراسة التركيب والصفوف والدلالة، ولكني أطالب بتوسيع الدراسة الفنية لتتجاوز حدود الجملة والتركيب إلى النص والوقوف على القواعد التي من شأنها أن تحدث التماسك والانسجام بين قصة وأخرى مهما طالت القصة أو قصرت، انتمتإلى القصة القصيرة أو النوفيلا أو الرواية..

ومن آليات التماسك بين القصة والتي تليها  آلية الانسجام والتناسق بين مجموع العمليات الظاهرة أو الخفية التي تجعل المتلقي قادرا على فهمه وتأويله، وذلك بربط الأفكار داخل النص بحيث يمكن استعادتها مرة أخرى بعد عملية القراءة المتأنية، فيفرض ذلك على المتلقي لقصص هبة سمير البحث في العلاقات الخفية وراء الوحدات اللغوية.

تمتلك هبة سمير موهبة السرد، واللغة معا، تستثير كوامنالمشاعر العاطفية لدى المتلقي، وتستثير وجدانه أيضا. ليدلف علمها السردي الساحر متسلحا بأدواته الذهنية الفاعلة والمتفاعلة مع النص، مستنبطا ما وراء الدلالة الأولى للقصة، حيث تترك القصة في نفس المتلقي لحظة تأمل طفيف ليكتشف وحده تأويل النص المقروء، فمثلا قصة “عشرون يوما” تعالج مرضا خطيرا في المجتمع، حيث تؤدي الإجراءات السليمة غالبا إلى ضرر محتم بالإنسان الشهم صاحب المروءة والنخوة، سليم النية، طيب القلب، فتهلكه، بل تقتله، وتقتل أجملما فيه من فطرة إنسانية سليمة، يتمتع بها الرجل الصالح الذي يأنف أن يرى مظلوما أو مستنجدا به ولا ينجده لأنه إذا أظهر وأبان مروءته تهلكه المروءة وتعيق مسيرته فهو نقد اجتماعي نابع من الواقع/البيئة المصرية ذات الأصول الطيبة.

منذ تقع العين على العتبة الأولى(الوقت الخائن)  فالقارئ على شغف وتوتر وصراع مع الزمن المشار إليه في العنوان، فالزمن غالبا كاسر ظهر الإنسان، ومتفوق عليه، إذا ذكر وحده، وأما اتصافه بالخيانة وعدم الأمان فهي صفة لم تضف كثيرا إلى ذهن المتلقي الحصيف، فالزمن غالب دائما، والإنسان في مواجهته لا يملك حولا ولا قوة أمام تحدياته القاتلة، وما إنتهبط العين على العتبة اللغوية الأولى فسيجد نفسه أمام عتبة لغوية أخرى”جناحا الحب: الثقة والتفاهم” وهذا بيت القصيد وعمود الخيمة في المجموعة كلها، فالقاصة تشير إلى علاقة وجدانية بين الرجل والمرأة؛ إذ إن الثقة والتفاهم والحب معاول بناء أي علاقة وإليهما ينكشف للقارئ سر من أسرار قصصها المبنية على هذه الأسس. 

ويتابع القارئ إهداء المجموعة: إلى القراء والأب والأم والشقيقات وجميع الأصدقاء و… وغالبا مايكون الإهداء الأل هكذا. فالقاصة تريد أن تنثر ورودا لكل المحيطين بعالمها المعيش من أقارب وأصدقاء وإلا فلمن تكتب؟

أعترف بأن القصة أو النوفيلا تماثل في صناعتها تماثل كتابة قصيدة شعرية، مكثفة مركزة، تعتمدعلى إيحاء الكلمات، وتستنطق ظلال المعاني، ولا تنطق بالمسكوت عنه إلا وحيا وإلهاما وإشارة عابرة من خلال حدث سردي متنام عبر متوالية سردية.

تنتظم مجموعة القصص عند القاصة هبة سمير في إطار دلالي واحد تقريبا، تمتح مادتها من كل ما يحيط بها كأديبة لها رؤيتها في الواقع المعيش، صورت فتاة محبة لزوجها وبيتها لدرجة الجنون” أذن وشفتان”، وجسدت فتاة جامعية تعشق أستاذها الجامعي”مازلت أنتظرك” وصورت بنت البلد(الجدعة) التي تقف مع زوجها في أشد اللحظات خطرا”عشرون يوما” وجسدت شخصية المحامية التي تفتح قلبها للحب أيام حظر التجوال”الحب المحظور”

تتنوع أنماط شخصية المرأة، ولا تتعارض، ولا تتنافر، بل تتفق وتتجه إلى غاية واحدة هي أن المرأة إذا أحبت من قلبها أعطت كلثقتها واهتمامها لبيتها وزوجها، وحبيبها. فهي مجموعة قصص تتنفق مع الأصل الأنثوي المتمثل في الاحتواء والرغبة في النماء والإعمار والخصب. فلم نجد نموذجا واحدا يصور شذوذ الفطرة التي خلقها الله تعالى عليها، فهي دائما معطاءة محبة ، محبوبة، قانعة، راضية، طيبة، حنون، تقريبا كل شخصيات المرأة في القصص كلها تنتهج هذه السبيل، وربما يعزو ذلك إلى طبيعة القاصة المسالمة،الطيبة، المتسامحة، الحنون.. فتجد كل شخصياتها النسائية تسير على نهج واحد. وفي الحياة نماذج أخرى للمرأة اللعوب، المضياعة للزوج والبيت والأولاد.. فلم تتعرض القاصة إلى ذلك النموذج الفاشل مما يجعلني أصنف القصص جميعا بأنها متسقة دلاليا ومنسجمة مع الموضوعات العامة للمرأة فهي صوت أنثوي واحد تقريبا.

يبقى أن أشير إلى هذا العمل الفني الميز هو العمل الأول المنشور للقاصة، وهذا إرهاص بميلاد قاصة بقيمة كبيرة يحفل بها الوسط الأدبي المصري والعربي معا.

         

 

  

 

    

 

  

مقالات من نفس القسم