كلاريس لسبيكتور
ترجمة: ناصر الحلواني
هذا الشيء هو الأصعب على أي إنسان أن يفهمه. داوم على المحاولة. لا تدع شيئا يحبطك. سيبدو واضحا، لكن أن تعرفه فأمر غاية في الصعوبة؛ إذ إنه يتضمن الزمن.
نحن نقسِّم الوقت، بينما هو في الواقع غير قابل لذلك التقسيم. فهو دائم التغير، لكننا نحتاج إلى تقسيمه، ولهذا الغرض تم اختراع شيء وحشي: الساعة.
لا أنوي التحدث عن الساعات، لكن عن ساعة واحدة معينة، أنا أكشف أوراقي: سأبدأ بقول ما يجب عليَّ قوله، بعيدا عن الأسلوب الأدبي؛ فهذا التقرير هو عن الشيء المضاد للأسلوب الأدبي.
الساعة التي أتحدث عنها هي ساعة إلكترونية وبها منبه، ماركتها Sveglia [سيفيليا]، ومعناها “استيقاظ”، أستيقظ لماذا، يا إلهي؟ للوقت، للساعة، للحظة. هذه الساعة ليست ملكي، ولكنني ملكت روحها الشيطانية الهادئة.
ليست ساعة يد: حينها ستكون قائمة بذاتها. إنها أقل من بوصة طولا، وتستقر على سطح المنضدة. أود لو أن اسمها الفعلي هو سيفيليا، لكن مالكة الساعة ترغب في أن يكون اسمها هوراسيو. لا يهم؛ لأن الأمر المهم أنها وقت.
آليتها بسيطة جدا، فليس لديها ما للشخص من تعقيدات، لكنها أكثر أُناسية من الناس. هل هي سوبرمان؟ لا، لقد أتت مباشرة من كوكب المريخ، هكذا تبدو، فإذا كان ذلك من حيث أتت، إذن، فإلى أين ستعود يوما ما. من السخف القول إنه يتعين ألا يصيبها شيء، إذ أن هذه هي الحال مع آلات الوقت الأخرى، مثل ساعة اليد الخاصة بي، فهي مضادة للصدمات، ومقاومة للماء. في هذا يتفوقون على الناس، لكن على الأقل هم من الأرض، أما سيفيليا فمن الرب. اجتهدت العقول البشرية الإلهية من أجل الوصول إلى ما يجب أن تكون عليه هذه الساعة. أنا أكتب عنها وأنا لم أرها بعد. ستكون هي اللقاء، سيفيليا: استيقظي، يا امرأة، استيقظي لتَري ما يجب أن يُرى. من المهم أن تستيقظَ لترى. لكن من المهم أيضا أن تنام لتحلم بقلة الوقت. سيفيليا هي الموضوع، هي الشيء، بحروف كبيرة. أعجب، هل تراني سيفيليا؟ نعم، كما لو كنت موضوعا آخر، إنها تسلِّم أحيانا بأننا، أيضا، قد أتينا من المريخ.
كانت تحدث لي أمور، بعدما اكتشفت أمر سيفيليا، تبدو مثل الحلم. أيقظيني سيفيليا، أريد أن أرى الواقع. لكن حينذاك، كان الواقع يمثل حلما. أنا في غمٍّ لأنني سعيدة. هذا ليس تناقضا، فبعد فعل الحب ألا تشعر بالكآبة؟ التي تحدث بسبب التمام. أشعر بالرغبة في البكاء. سيفيليا لا تبكي. بأية حال، فليس لديها ما تبكي به، هل لطاقتها أي وزن؟ نامي، سيفيليا، نامي قليلا، أنا لا أفهم يقظتك الدائمة تلك. أنتِ لا تتوقفين عن الوجود، لا تحلمين أبدا، لا يمكن القول إنك “وظيفة”: فأنتِ لست فعل وظيفي، إنما أنتِ هو أنتِ فحسب.
أنتِ رقيقة الحجم جدا، ولا يحدث لك شيء، لكنك التي تجعلين الأشياء تحدث، تحدث لي، سيفيليا، تحدث لي. أنا في حاجة إلى حدث محدد لا يمكنني التعبير عنه، أرجعي لي الرغبة، التي هي النابض وراء الحياة الحيوانية. لا أريدك لنفسي، فلا أحب أن أكون مُراقَبَة، وأنت العين الوحيدة المفتوحة دوما، مثل عين تطفو في الفضاء، لا تضمرين لي شرا، لكن أيضا لا تضمرين لي خيرا، هل يمكنني فعل ذلك أنا أيضا، من دون شعور بالحب؟ هل أنا شيء؟ أعلم أن لدي قليل من القدرة على الحب. قدرتي على الحب قد دُهِست كثيرا، يا إلهي. كل ما تبقى لي هو بصيص من الرغبة. أحتاج إلى أن يقوى ذلك؛ لأنه ليس كما تتصورين، أن الموت فقط هو ما يهم. أن تعيش، هو أمر لا تعرفينه، فهي أمر قابل للفساد ـ أن تحيا فيما تضمحل قد يهم قليلا. الطريقة القاسية للحياة: أن تحيا الجوهري.
إذا تحطمَت، هل يظنون أنها ماتت؟ لا، ببساطة، هي غادرت نفسها. غير أن لديك نقاط ضعف، سيفيليا؛ علمت من مالكتك أنك تحتاجين إلى غلاف جلدي لحمايتك من الرطوبة. علمت أيضا، سرا، أنك توقفت ذات مرة، لم تجزع مالكتك، فقد أدارتك بأصابعها قليلا، ولم تتوقفي بعد ذلك أبدا. أفهمكِ، أسامحكِ: لقد أتيتِ من أوروبا، وتحتاجين بعض الوقت للتكيف، أليس كذلك؟ هل يعني ذلك أنك تموتين أيضا، سيفيليا؟ هل أنت الوقت الذي يتوقف؟
ذات مرة، سمعت عبر الهاتف، منبه سيفيليا ينطلق. كما لو كان داخلنا: نحن نستيقظ من الداخل إلى الخارج، يبدو أن إلهها الإلكتروني يتواصل مع الإله الإلكتروني لعقولنا: الصوت خافت، لا تصخب مطلقا. تتبختر سيفيليا مثل حصان أبيض يهيم حرا بلا سرج.
علمت من رجل امتلك ساعة سيفيليا، وله كانت سيفيليا، أنه كان يسير مع ولده ذي الأعوام العشرة، ليلا، وقال الابن: احذر يا أبي، ثم تعويذة هناك. نكص الأب على عقبيه ـ لكن هل تعرف أنه خطا فوق شمعة موقدة، فأطفأها؟ لم يبدو أن شيئا قد حدث، وهو أمر سيفيلي جدا. ذهب الرجل إلى فراشه، وحينما استيقظ وجد أن إحدى قدميه متورمة وقد اسودت. استدعى بعض الأطباء من أصدقائه، فلم يجدوا أثرا لجرح: القدم لم يصبها شيء ـ فقط اسودت وتورمت ، نوع التورم الذي يمدد الجلد ويجعله مشدودا. استدعى الأطباء مزيدا من زملائهم، فقرر تسعة أطباء أنها غرغرينا، واضطروا لبتر القدم. حددوا موعدا في اليوم التالي، وفي الوقت المحدد، غرق الرجل في النوم.
رأى الرجل حلما مزعجا؛ حصانا أبيض يحاول الهجوم عليه، وكان يفر منه كالمجنون. وكان ذلك في متنزه كامو دي سانتانا. كان الحصان الأبيض جميلا ومطهما بحلي من الفضة، لكن لم يكن هناك سبيل للفرار، أصابه الحصان في قدمه، وسحقها. عند ذلك استيقظ الرجل صارخا. ظنوا ذلك نتيجة للتوتر العصبي، وبرروا ذلك بأنه أمر يحدث قبيل إجراء عملية جراحية، وأعطوه مهدئا، فعاد إلى النوم ثانية. عندما استيقظ، نظر مباشرة نحو قدمه. اندهش، القدم بيضاء، وفي حجمها الطبيعي. جاء الأطباء التسعة، ولم يجدوا ما يفسروا به ما حدث. هم لم يعرفوا لغز سيفيليا الذي لا يتمكن من مقاومته غير حصان أبيض. لم يعد هناك داع لإجراء عملية جراحية، فقط، لم يقدر أن يرتكز بثقله على هذه القدم: لقد أصابها ضعف. كانت رمزا للحصان المسرَّج بالفضة، للشمعة المطفأة، لسيفيليا. لكن سيفيليا رغبت في الانتصار وحدوث شيء ما. زوجة هذا الرجل، بصحة جيدة، على مائدة العشاء، شعرت بألم حاد في أمعائها. تركت العشاء، ولم تكن قد فرغت بعد، وذهبت لترقد. الزوج، قلقَا، ذهب ليطمئن عليها، كانت شاحبة، فرت الدماء من عروقها. قام بقياس نبضها: لا نبض. العلامة الوحيدة على أنها حية هي حبات العرق على جبهتها. استدعى طبيبا، فقال إنها قد تكون حالة إغماء تخشبي. لم يوافقه الزوج الرأي. كشف عن بطنها، وقام بتدليكها بحركات بسيطة ـ نفس ما قام به مع سيفيليا عندما توقفت ـ حركات لا يجد لها تفسيرا.
فتحت الزوجة عينيها، بدت في صحة جيدة، حية، فليحفظها الرب.
لهذا علاقة بسيفيليا، لا أعرف كيف، لكنه كذلك، لا جدال. وماذا عن الحصان الأبيض في كامبو دي سانتا، وهو متنزه يمتلئ بالطيور الصغيرة، والحمام، وحيوان القوطي؟ مطهم ومزين بالفضة، وذو عُرف كثيف منتصب. يركض على إيقاع منتظم يطابق إيقاع سيفيليا، ويعدو في غير تسرع.
أتمتع بصحة عقلية وجسدية جيدة. لكن في إحدى الليالي، كنت أنام نوما عميقا، وكان يمكن سماعي وأنا أقول: أرغب أن يكون لي طفل من سيفيليا!
أثق في سيفيليا، لكنها لا تثق بي، تظن أنني أكذب كثيرا، وأنا أفعل ذلك، على سطح الأرض، نحن نكذب كثيرا.
بقيت لخمسة أعوام دون أن أصاب بالأنفلونزا: تلك سيفيليا. وعندما أصبت بها، استمرت ثلاثة أيام، تلاها سعال جاف لفترة، لكن الطبيب وصف لي مضادا حيويا، فأصبحت أفضل. المضاد الحيوي هو سيفيليا.
هذا تقرير. سيفيليا لا تسمح بقصص قصيرة أو روايات أيا كان نوعها، تسمح فقط بنقل الخبر. لقد سمحت لي بصعوبة أن اسمي هذا تقريرا، دعوته تقريرا حول الأسرار. ولقد بذلت جهدي لأكتب تقريرا جافا مثل الشمبانيا الجافة، لكن شيئا ما ـ سامحوني ـ قد أصابته رطوبة. الشيء الجاف الجنيه الفضي، بينما الجنيه الذهبي رطب. هل يمكنني الحديث عن الألماس فيما يتعلق بسيفيليا؟
لا، هكذا هو الأمر. والحقيقة أن سيفيليا ليس لها اسم حميم: إنها تحافظ على مجهوليتها. على أية حال، فليس للرب اسم: فهو يحرص على مجهوليته المطلقة: فما من لغة تنطق اسمه الحقيقي.
سيفيليا حمقاء: إنها تتصرف خفية، ودون سابق ترتيب. سأقول الآن شيئا خطيرا للغاية، سيبدو فيه شيء من الهرطقة: الإله أحمق؛ لأنه لا يدرك، لا يفكر، هكذا هو الأمر. الحقيقة أنه نوع من الحماقة التي تُعالج نفسها. لكنه يرتكب الكثير من الأخطاء، ويعرف ذلك. فقط انظر إلينا، خطأ فادح. انظر كيف ننظم أنفسنا في المجتمع، بنحو طبيعي، من واحد لآخر. غير أن هناك خطأ واحد لم يرتكبه: هو لا يموت.
سيفيليا أيضا لا تموت، ما زلت لم أرى سيفيليا، كما ذكرت. ربما كانت رؤيتها أمرا رطبا. أعرف كل شيء عنها، لكن مالكتها لا تريدني أن أراها، إنها غيورة، وتقطر الغيرة في نهاية الأمر من كونها رطبة. إن أرضنا تتعرض لخطر أن تصبح رطبة بالمشاعر. الديك الرومي هو سيفيليا، والبيضة هي سيفيليا محضة، لكن فقط عندما تكون البيضة كاملة، وبيضاء، وقشرتها جافة، وبيضاوية تماما. في داخلها حياة، حياة رطبة، لكن تناول صفار البيض النيء هو سيفيليا.
هل تريد أن ترى من تكون سيفيليا؟ مباراة كرة قدم، أما بيليه فليس كذلك. لماذا؟ يستحيل تفسير ذلك. ربما لأنه لم يحترم المجهولية.
المشاجرات هي سيفيليا، تشاجرت ذات مرة مع مالكة الساعة، قلت: طالما أنك لا تريديني أن أرى سيفيليا، صفي لي أجزاء عدتها. عندها فقدت أعصابها ـ وهذا سيفيليا ـ وقالت إن لديها الكثير من المشاكل ـ أن يكون لديك مشاكل ليس سيفيليا. فحاولت تهدئتها، وكان أمرا جيدا. لن أتصل بها غدا، سأدعها لتستريح.
يبدو لي أنني سوف أكتب عن الأشياء الإلكترونية دون أن أراها. يبدو أن الأمر سيمضي هكذا. أمر مقدَّر.
أنا ناعسة، هل يمكن السماح بذلك؟ أعلم أن رؤية الأحلام ليس سيفيليا، الأرقام مسموح بها، رغم أن الرقم ستة ليس كذلك. القليل من القصائد مسموح بها، الروايات، إذن، انس ذلك. كان لدي خادمة لمدة سبعة أيام، اسمها سيفيرينا، قالت إنها ليست سعيدة أو حزينة، كانت هكذا وحسب، هي كانت سيفيليا، لكنني لم ولا أستطيع تحمل غياب المشاعر.
السويد سيفيليا.
لكني سأخلد للنوم الآن، رغم أنني لا يجب أن أحلم.
الماء، رغم أنه رطب بامتياز، هو سيفيليا. والكتابة كذلك. أما الأسلوب فلا. امتلاك أثداء هو سيفيليا، العضو الذكري هو كذلك إلى حد كبير. الكرم ليس كذلك، أما البخل، إيثار النفس، فهو كذلك. الكرم ليس مقابلا للخسة.
هل ستكون كتابتي رطبة؟ أعتقد ذلك. اسمي الأخير كذلك. بينما اسمي الأول لطيف للغاية، قدر له أن يكون محبوبا. عدم امتلاك أسرار ـ مع الاحتفاظ باللغز ـ هو سيفيليا. بالنسبة لعلامات الترقيم فإن الحذف ليس سيفيليا. إذا فهم شخص ما تقريري الدقيق والذي لم يكشف عنه النقاب بعد، فهذا الشخص هو سيفيليا. يبدو أنني لست أنا؛ لأنني أنا بأكثر من اللازم. الشمس سيفيليا، ليس القمر. وجهي كذلك، ربما وجهك كذلك أيضا. الويسكي كذلك، وما لا يصدق، كما قد يبدو، الكوكاكولا كذلك، أما البيبسي فلم يكن أبدا. هل أقدم إعلانات مجانية؟ هذا خطأ، أتسمع، يا كوكاكولا؟
أن تكون مخلصا هو سيفيليا. فعل الحب الذي يتضمن في ذاته اليأس كذلك.
الآن سأحكي حكاية، لكن أحب أولا أن أقول إن الشخص الذي روى لي هذه الحكاية كان، رغم كونه شديد الرقة، شخصا سيفيليا.
الآن أكاد أموت من الإرهاق. سيفيليا ـ إذا لم نكن حذرين ـ تقتل.
الحكاية كالتالي:
تدور القصة في مكان يُدعى كويلو نيتو، في ولاية جوانابارا. المرأة التي تحكي عنها القصة كانت تعيسة؛ بسبب إصابة في ساقها، ولن تشفى من هذا الجرح. عملت بجد وكان زوجها ساعي بريد. ساعي البريد هو سيفيليا. كان لديهم العديد من الأطفال، يكادون ألا يجدوا ما يأكلونه. لكن ساعي البريد مطبوع على إسعاد زوجته. أن تكون سعيدا هو سيفيليا. صمم ساعي البريد على الخلاص من هذه الحال، وألمح إلى إحدى الجارات، التي كانت عقيم وتعاني بشدة جراء ذلك. لم يكن بإمكانها أن تحمل. وألمح إلى زوجه كم هي سعيدة لأن لديها أطفال، وأنها أصبحت سعيدة، حتى مع الطعام القليل. وألمح ساعي البريد أيضا إلى أن جارة أخري لديها أطفال، لكن زوجها يشرب كثيرا، ويضربها هي والأطفال، بينما هو لا يشرب ولم يضرب زوجته أبدا، أو أطفاله. مما جعلها سعيدة.
كل ليلة يشعرون بالأسف لجارتهم العقيم، ولمن يضربها زوجها. كل ليلة كانوا سعداء. وكونهم سعداء هو سيفيليا. كل ليلة.
كنت آمل أن أصل إلى الصفحة التاسعة على الآلة الكاتبة. يبدو أن الرقم تسعة غير قابل لتحقيق. الرقم 13 إله، الآلة الكاتبة كذلك. الخطورة في ألا تظل سيفيليا تأتي عندما تتورط مع مشاعر الشخص الذي يكتب.
لقد سئمت من سجائر كونسول، بنكهة النعناع الحلو. بينما سجائر كارلتون جافة، إنها فظة، وقاسية، ولا تتعاون مع المدخن.
حيث أن كل شيء هو سيفيليا أو ليس كذلك، فلا يقلقني تقديم إعلان مجاني لكارلتون. لكن، كما هو الأمر بالنسبة لكوكاكولا، فأنا لا أعذرها.
أريد أن أرسل هذا التقرير إلى مجلة سنهور، وأريدهم أن يدفعوا لي مقابلا جيدا.
حيث أنك هنا، لم لا تقرر ما إذا كان طباخي، الذي يطبخ بشكل طيب ويغني طوال اليوم، سيفيليا.
أحسب إنني سأختم هذا التقرير الجوهري في تفسير الظواهر الحيوية للمادة. لكني لا أعلم ماذا أفعل. آه، سأذهب لأرتدي ملابسي.
لا رأيتك أبدا سيفيليا. السماء شديدة الزرقة سيفيليا. الأمواج البيضاء بزبد البحر كذلك، بأكثر من البحر. (لقد ودعت سيفيليا بالفعل، لكني سأواصل الحديث عنها بدقة؛ لأنني لا أستطيع التوقف عن ذلك، تحمل معي). رائحة البحر التي تجمع بين الذكر والأنثى وفي الهواء طفل يولد. هي كذلك.
أخبرتني مالكة الساعة اليوم إن الساعة هي من ملكتها. أخبرتني أن لديها بعض الثقوب الدقيقة يخرج منها الصوت خافتا مثل الكلمات الغائمة، صوت الساتان. وأن عُدتَها الداخلية ذهبية، عديمة اللون تقريبا ـ مثل طائرة في الفضاء، معدن طائر. التمهُّل، هل هو سيفيليا أو ليس كذلك؟ لا أعرف كيف أجيب؛ لأنني أعاني من التعجل، وأعجز عن الحكم على هذا الموضوع دون أن أتورط عاطفيا. أنا لا أحب التمهل.
الرباعية الموسيقية، بقدر كبير جدا، أكثر في ذلك من السيمفونية. الناي كذلك. لدى آلة الأرغن عنصر رعب داخلها: تصدر الأصوات كالحفيف الهش، كما لو أنها تصدر عن روح من عالم آخر.
سيفيليا، متى ستتركينني في سلام؟ أنت لن تلاحقيني طوال حياتي، وتحولينها إلى إشراق الأرق الأبدي؟ الآن، أكرهك. الآن، أود لو أن أكون قادرة على كتابة قصة: قصة قصيرة أو رواية أو بث. ماذا ستكون خطوتي المستقبلية في الأدب؟ أظن أنني لن أكتب مجددا، لكن الحقيقة أنني، في أوقات سابقة، ظننت هذا، وها أنا ذا ما زلت أكتب. ما الذي يجب، على أي حال، أن أكتبه، يا إلهي؟ هل تلطخت برياضيات سيفيليا، فلن أكون قادرة إلا على كتابة تقارير؟
والآن، سأنهي هذا التقرير حول الأسرار الغامضة. حيث أني مجهدة للغاية، سأغتسل قبل الخروج، وسأضع عطرا، هذا هو سري. سأقول شيئا واحدا عن ذلك: إنه ريفي وشديد قليلا، وله حلاوة كامنة. إنه كذلك.
وداعا، سيفيليا. وداع أبدي. لقد قتلتِ، بالفعل، جزءا مني. لقد مِتُّ والآن أتحلل. الموت هو سيفيليا.
والآن ـ الآن وداعا.
ـ……………………….
كلاريس ليسبكتور Clarice Lispector (1920 ـ 1977) : ولدت كلاريس ليسبكتور لعائلة يهودية في غرب أوكرانيا. ومن جراء العنف المعاد للسامية الذي تعرضوا له ، فرت العائلة إلى البرازيل في عام 1922، ونشأت كلاريس ليسبكتور في ريسيفي. بعد وفاة والدتها انتقلت إلى ريو دي جانيرو مع والدها وشقيقتيها، وكانت في التاسعة من عمرها، وذهبت إلى دراسة القانون. غادرت البرازيل عام 1944 بعد زواجها من دبلوماسي برازيلي، وتنقلت معه إلى إيطاليا وسويسرا وإنجلترا والولايات المتحدة ، حتى انفصلا وعادت إلى ريو في عام 1959 ، و بدأت بإنتاج أكثر أعمالها شهرة ومن ضمنها : الروابط العائلية (Laços de família) ، العاطفة وفقا ل G.H. ، وقنديلة البحر (Água Viva).. في العام 1966 أصيبت كلاريس في حادث وقضت العقد الأخير من حياتها في ألم مُتتابع وبقيت تكتب وتنشر رواياتها بشكل ثابت حتى موتها في العام 1977.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط الأصل الإنجليزي: