تـَمَـرُّدٌ

موقع الكتابة الثقافي art 22
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

جاسم الحمود  

كلّما ألتقينا أتعبتني تلكَ الصبيةُ بقواعدِ الإتكيتِ، وفي كلِّ مرةٍ تكررُّ عليّ أجلسْ على الكرسي بظهرٍ مشدودٍ مستقيمٍ، لا تُصْدِر صوتاً عند استعمال الملعقةِ أو رشفِ الشاي أو الحساءِ، تضعُ الشوكةَ بيدي وتشرحُ ليّ كيفَ أستعملها وبأيِّ زاوية وشدّة القبضِ على طرفها و سرعةِ رفعها… شرحٌ مطوّلٌ أصعبُ من النظريةِ النسبيةِ وما يزيدُ الطينَ بِلّةً ذاكَ النادلُ الواقفُ دوماً قريباً منْ طاولاتِ الركنِ الذي نجلسُ فيه، يقفُ باستعدادٍ ينتظرُ إشارةً منْ أيِّ طاولةٍ ليلبـيها أحسُّ أنّه يقفُ لأجلي، فقطْ ليراقبني كيفَ أكلُ و كيفَ أشربُ و هل أطبِّقُ قواعدَ الإتكيتِ والمجتمعِ الراقي.

عندما جلسنا اليومَ طلبتْ بيتزا، وضعتُ الشوكةَ والسكينَ جانباً، تناولتُ البيتزا بيدي… قطعتُ قطعةً منها لففتها وأكلتها، ثمَّ رشفتُ من كأسِ الشاي دون أنْ أهتمَّ إذا كان لرشفتي صوتٌ أثناءَ الشربِ… وضعتُ فنجانَ الشاي على الطاولةِ مبتهجاً بصوتِ اصطدامه بالصحنِ الزجاجي الصغيرِ، أرجعتُ ظهري للخلفِ وتمطيتُ في الكرسي فارداً ذراعي، وهي واجمةٌ مستنكرةٌ ويدها معلقةٌ بالهواء تمسكُ الشوكة كتمثالٍ.

………….

*كاتب من سوريا

مقالات من نفس القسم