“تغريبة القافر”.. ذاتية المجتمع.. سردية السجية

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

أكرم محمد

تسكن افتتاحية رواية “تغريبة القافر” للروائي والشاعر العماني زهران القاسمي، والصادرة عن دار “مسكيلياني”، بنية قصصية تكثيفية تطرح انعكاسية الوطن، وذاتية الكتابة، في معناها المتسع؛ حيث ذاتية الوطن والمجتمع، وتخلق نصا موازيا يلج للبنية الروائية للنص، المتأثرة بالتقاط الهامش وتناول السجايا الإنسانية من براثن الهامش، فتطرح الافتتاحية تصورا إنسانيا تحكمه ثنائية الحياة/الموت، وهي الثنائية المستمرة على طول النص في سيمائية، وتنبت في تلابيب المشهد المكتوب بسينمائية كل القابع بين تلك الثنائية، من مفهوم التقديس وعلاقة الإنسان بمجتمعه وإعادة بناء مفهوم الفراق.

يشيد القاسمي شخوصه برؤية إنسانية ذات خطاب فلسفي، فيشيد شخصيات نمطية للأنثى العربية المقهورة، ويطرح من خلالها معاني السجايا، ويخلق شخصية التخييل النمطي للشخصية الذكورية العربية، وحاملي الأصولية الدينية، والولوج من خلالهم إلى بناء مفهوم القداسة المسجي في الذهون، الرابض في بطون المجتمعات المتعلقة طارحا علاقة الإنسان بمجتمعه وجغرافيته..

هذا نص يتبنى الكلاسيكية وبنيتها الدرامية التصاعدية كعنوان للبنية الروائية، وحتى التأويل ينطلق من هذا المفهوم، فيوضح بتأويل ما مفهوم الحب، وعلاقته بالإنسان من خلال حكايات شبه شفهية بسرد كلاسيكي تصاعدي، بسردية تلتقط المحلية وذاتيتها وانعكاسيتها والتقاطها للهامش، فيسرد حكاية المغترب عن زوجته الخائفة من الوقوع في براثن حب جديد، ثم تأثير موت زوجة جميل عليه.

البنية للروائية هنا تستند على سواعد الكلاسيكية، حتى في البنية الدرامية التصاعدية، وبدايتها من لحظة المولد وخطابها الفلسفي بثنائية الحياة/الموت، ومعنى الفقد وأواصره، وحتى العلاقة بين “سالم” وأمه المرضعة وخطابه الممثل علاقة الإنسان بالحب والفقد والموت، وهي الضلوع التي تبني تلك العلاقة الإنسانية الفلسفية وطرحها الفني الكلاسيكي.

لا يضاهي الكلاسيكية في بنية هذا النص كعنوان التجريب إلا الطابع العجائبي المنبثق من السيرة الشفهية والتقاط المحلية والذاتية، والخروج منها لسجايا الإنسان وكل ما يرتبط به بداية من المكان حتى الفقد وآخر أوان.. السيرة الشفهية تخلق تجريبا موازيا لبنية درامية موازية للنص، وربما مرتبطة به ارتباطا وثيقا في أحيان كثيرة، فمثلا تسرد حكاية أم “سالم” كأمثولة في بنيتها وسردها، وخطابها عن ثنائية الموت/الحياة وعلاقة الإنسان بهما، حيث الخلاص من الصداع هو ما يشبه القبر في سفح البئر، الموت، ومن خلالها تنبثق الحياة، وهي ذاتها كانت تقطن بجانب المقابر، وهنا استخدام لتقنيات سيمائية، فتتحد عناصر النص في دينامية، لتبعث ذلك الخطاب.. ويتكرر التجريب بسيرته الشفهية وبنية الأمثولة كثيرا، حتى في حكاية القرية ودلالتها عن الاختلاف والتمرد وعلاقة الإنسان بالمجتمع.

الكاتب الضمني في هذا النص مهموم بالإنسان وسجاياه، ويحمل هما ذاتيا يلتقطه من مجتمع خاص منغلق، بقعته تخرج للإنسان من براثن كاتب ضمني يحمل ثنائية الخاص/العام.

المركزية الدرامية في هذا النص تمثل ثنائية الخاص/العام، حيث علاقة الإنسان بمجتمعه وتأثير السردية على الإنسان، وتخلق صورة للأوطان العربية والمجتمعات المتعلقة وتعاملها مع الاختلاف، وهو ما يرتبط فلسفيا باللوحة الإنسانية الافتتاحية والفقيه، الممثل الأصولية المميتة، وفنيا ترتبط أيضا بالافتتاحية؛ حيث تقديم فلسفي وفني للمجتمع وتلك الجغرافيا.

كجزء من الثنائية الفنية والفلسفية، الكلاسيكية/العجائبية، تظهر نصوص موازية، ببنية قصصية مكثفة ذات خطاب وأيدولوجية محددة، لكنها تحتمل بعضا من التأويل، فمثلا حكاية الصورة النمطية للجمال المارق الرافض للانزواء في رفض الاختلاف، فيسرد نص موازي كحلم لتلك الطفلة ذات النظرة النمطية للجمال، حيث المرض والحسن، وهي تحب المختلف، لكن السلطة الأبوية، الممثلة في الصورة النمطية القبح، تواجه حبها للاختلاف، وهنا تخلق ثنائية فلسفية بين السلطة الأبوية (المجتمع)/ الاختلاف.

يشيد “القاسمي” تأريخا موازيا للسجي من خلال تأريخا إبداعيا للقرية بين فرحها وترحها وجراحها، فتبرز في أتراحها، وطرحها الفقر والمنطقة العجفاء سجايا الإنسان، وعلاقته بالدين والحب والفقر والوطن والفراق والفساد، وغيرها.

يؤاخي النص بين الذاكرة وفعل الحب، ليخلق معنى الفقد والعشق والغربة، وليشيد تكملة لبنية فلسفية تبحث عن الإنسان من هامشه من بنية تبنى كأمثولة.

ومن وحي ذلك الخطاب الفلسفي يظهر الفقد وعلاقة الإنسان بالوطن والمجتمع منذ عتبات النص/عنوانه، يتمخض النص في تلك العلاقة الإنسانية بين ثنائية الخاص/العام، بين أوطاننا ومجتمعاتها، وبين السجايا والوطن، وتبدو الحكاية ومفهومها كخلفية لتلك الفلسفة، الحكاية دائما حاضرة بفلسفتها، بما يلائم نص يبنى كأمثولة وسيرة شفهية.

مقالات من نفس القسم