– مارسنا السذاجة بطفولةٍ.. و نمارس الطفولةَ بسذاجة!
– فقط لو أربطُ الذاكرةَ بجرحٍ قديمٍ فيبتلعاني معًا؛ أنتَ ندبةٌ باقيةٌ فى الذاكرةِ لا أكثر.. أقشرها كل يومٍ فتنزف و تولد مرة أخرى أوسعَ و أكثر ألمًا.
– و أنتِ؟
– ندبةٌ أكثر سخفًا!
….. كنَّا صغارًا.. نقشر جراحنا ظانين أن تحت الجرح كنز، و أن الدم حضن الغائبينَ و رسائلهم الدافئة، نغوص بإصبعٍ في الجرحِ أكثر.. ننتشي بالوجعِ و بدفء سيلان الدم على أحلامنا الباهتة..
“لماذا لا يكون دمي أزرق كالسماء؟” تسألُ صديقتي فأقول “الأزرق بعيدٌ يا غبية، و الموتى قريبون.. قريبون حد التصاقنا بهم، و الدفءُ أحمر.. الدفءُ أحمر!”
لماذا تضيق العبارةُ يا عبد الجبار؟ لماذا قلتَ ذلك؟ ربما لو لم تقلها لم تكن.. ربما!
ضاقت حتى الخرسَ يا عبد الجبار.. و ضاق القلبُ على الرؤيةِ أيضًا، ماذا لو بقينا على بلاهتِنا؟ ربما بقيَ الدمُ حضن الغائبينَ و لم يزرق دمي.. ربما ارتحنا إلى الأحياءِ أكثرَ/ ربما اشتهينا الأرضَ أكثر/ ربما لم تمت صديقتي بتخمةٍ في اللون و لم تنخزني لنعتها بالغبية/ ربما انغلقت مسارات الاحتمالاتِ تمامًا و نمنا لمرَّةٍ في غفلةٍ من ضمائر اللغة/ ربما مارسنا أنفسنا بالبساطة اللازمةِ لذلك/ ربما بقيتْ جراحنا كما كانت تغلفُ نفسها بالشهوةِ لنقشرها و ننتشي، و لم تتسع لتقشرنا هي كل يومٍ و تضحك/ ربما…
ضاقَ الحرفُ يا عبد الجبار.. ضاق!
2
مصابونَ بحمَّى الغربةِ و التخلِّي
كيف نثبِّتُ أقدامنا على طريقٍ واحدٍ دونَ كسرهِ، أو كسرنا؟
لو ارتدينا هشاشتنا في البدايةِ لـ لانَ الطريقُ قليلا،
لو أفرطنا في قسوةٍ مدَّعاةٍ، لفرَّطَ في عنادِهِ،
كنا حياديين، أكثر مما يليق بذاك الوجع
و اكتفينا بصمتٍ طويلٍ،
شفافٍ جدا،
ليسمح لكل العابرين برؤيةِ وجوههم
و اختفائنا
توطئة
أريدُ أن أتعرى تمامًا من حدودِ الحرفِ و الخرائط.. أريدُ ألا أنفجرَ وحدي.. في غرفتي الضيقةِ جدًّا على روحي.. و خطوتي المحدودة جدًّا على حلمي.. أريدُ أن أمارسَ الآخرينَ أو أن يمارسني الآخرونَ كحالةٍ ليسَ أكثر.. أن أكسرَ حدودَ كل شيءٍ حتى و لو تضاعفَ الألمُ بعددِ الآخرين.. حتى و لو تضاعفَ الغرقُ و التيهُ و اتسعَ الفراغُ على قلبي أكثر و أكثر!
أكرهني جدا عندما أخفي قلبي النازفَ في جيبي و أضحك، أكرهني عندما أمنعني من السقوطِ على يديكَ يا صديق.. ضمَّني جيِّدًا إلى صدرِكَ.. و اعتصرني حتى تنحلّ مسامي جميعها بيديك.. مريضةٌ أنا.. منهكةٌ.. نازفٌ كل ما بداخلي.. و أضحك.. كم أنا غبيَّةٌ.. اختلعْ قلبي يا صديقي من جيبِ الصبرِ و النزيفِ و ضمَّهُ حتى يغيبَ عن وعيهِ تمامًا.. ثمَّ القهِ جانبًا ليموتَ وحيدًا.. كَمَاي، و خذني حينها لئلا أموتَ وحيدةً كماهُ!
3
لماذا يدفعنا كل شيءٍ للاحتراقِ، ولا يصْدُقُ إلا الموت؟
لماذا يدفعنا كل شيءٍ للموت، وحينما نفعل، يشاهدُ -كـ طفلٍ- بضحكةٍ مُشفِقَةٍ والتِفَات؟
“من لم يفن عن شاهد نفسه بشاهد الحق، ولم يفن عن الحق بالحق، ولم يغب في حضوره عن حضوره، لم يقع بشاهد الحق“
تقول: هذا العالم ُكبيرٌ جدا على قلبي لأحمله وأحملكَ، اجتمعتما، في غيرِ موضعٍ، وكنتُ اكتمالَ نصفينِ، الحقيقةِ.. والتجرد؛
هذا الطريقُ مُسطَّرٌ بالفقدِ، (تضحكُ، ثم تكملُ)، ومن يرتاحُ في وجعِ القصيدةِ مرتين!؟
كل الأبوابِ مغلقةٌ،
كل الأبوابِ مُشرعةُ،
كل الخطى
وقوفٌ متكررٌ،
تماما،
فوق منتصف القلب.
يقول: هذا الهواءُ ثقيلٌ جدا على رئتيّ، لو كسرتُ البابَ، لارتاحَ الطريقُ من الخطى، واكتمل الفراغُ لما أريد!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شاعرة وفنانة تشكيلية مصرية
القصيدة من ديوان (ترجمات في حوارية الضمائر) صادر عن دار كلمة بالإسكندرية