حفصة رفاعي الشرقاوي
من الأعمال النادرة التي تستفز المرء للحديث عنها مسلسل Under the banner of heaven، والذي يعد في نظري أحد أهم الأعمال الدرامية لهذا العام.
المسلسل المأخوذ عن كتاب ووثائقي يؤرخ جريمة حقيقية في ثمانينيات القرن الماضي داخل إحدى العائلات المورمونية بولاية “يوتا” الأمريكية، وبدون حرق التفاصيل، يمكن للمشاهد بسهولة ملاحظة الخط الدرامي المتوتر المتصاعد للأحداث وتطور الشخصيات المرعب وما يمكن للأيديولوجية الأصولية والأنظمة البطريركية أن تصنعه بالمجتمعات، خاصة إن وافقت بعض الانحرافات السلوكية الدفينة لدى متبعيها من مختلف الطوائف.
– ربما نتشابه أكثر مما نتخيل:
“الألفة” كان الانطباع الرئيسي الذي ظل يراودني، وأظنه قد يراود الكثيرين، لدى مشاهدة التذبذب التدريجي في عقيدة المحقق الرئيسي الذي لم يحتمل قبح الجرائم المرتكبة تحت راية السماء باسم طائفته، ربما لأنه كالكثير منا قد ورث إيمانه ولم يعمل عقله من قبل في أي مما نشأ عليه ك”مقدسات”!
– ماذا يعني اعتناق أيديولوجية متطرفة:
أما عن التيمات الرئيسية الأخرى التي يرصدها العمل بجانب ثنائية الشك واليقين، فقد تنوعت بين الانفصال الحياتي للشخصية الأصولية المتطرفة وارتفاع الجدر العازلة بينها وبين المجتمع وبين التعالي ونبذ الآخر وفرض النظرة الشخصية للدين على الحلقات الأضعف بالترغيب تارة، والترهيب والعنف تارة أخرى في كبر بشري يصل حد الهوس وادعاء النبوة.
– دائما العائلة:
العائلة أيضاً كانت محرك قوي، فالعنف الأسري وافتقاد الحنان والفخر الأبوي بين الإخوة “لافرتي” كان خيط أساسي لتطوير اضطراباتهم النفسية، بينما كان الحب في أسرة المحقق هو الخط الرفيع الفاصل الذي حال دون تفككها، بالإضافة لمهارة إخفاء الشك الجديدة التي اكتسبها المحقق، ليستمر بدوره كمورموني صالح في نظر زوجته وابنتيه ومحيطه.
– رسالة مختلفة:
السيناريو الجيد والأداء التمثيلي بالإضافة للموسيقى التصويرية الرائعة والإخراج شكلت جميعها عناصر تجعل من الصعب نسيان العمل الذي يحرض بشدة على التوقف، التأمل، الصدق، والكثير من الشجاعة؛ حتى وإن كان هذا يعني انهيار عالمك بأكمله، لأننا في نهاية المطاف نخلد إلى الفراش بفضل رصيدنا من التصالح الذاتي، لا بفضل واقع مبني على كذبة معقدة مهما بدت آمنة، ومهما بلغت أناقتها.
