أحـمد عبد الرحـيم
نبأ عاجل: حصار القرصنة على الإنترنت يحقق نجاحًا ما!
تجربتى الشخصية مع موقع YouTube
اعتادت كثير من المؤسسات الأمريكية المختلفة، ما بين المنوطة بحماية حقوق النشر والملكية الفكرية، وشركات الإنتاج الهوليوودية الكبرى، على التصريحات الساخنة بخصوص حصار ظاهرة قرصنة الأعمال الفنية على الفضاء الإلكتروني، ومحاولات تطبيق عقوبات رادعة على مرتكبيها، وصولًا إلى الحلم بالقضاء التام عليها. لكن، وطبقًا للواقع المُعاش، تبقى هذه التصريحات مجرد كلام يتبخر فور نشره، وتحيا ظاهرة القرصنة كالحقيقة الفعلية الأكيدة. فالأفلام الأمريكية المنتجة بمئات الملايين يتم نقلها على مواقع التحميل المتنوعة بعد ساعات من إطلاقها، وبنسخة فائقة الجودة، وآلاف الأغانى المملوكة فى الأصل لشركات واستديوهات تسجيل تجدها منشورة على الإنترنت بلا مانع أو رادع، والمسلسلات التى تصدرها كيانات إنتاجية ضخمة على DVD، يتم تداولها بسهولة ومجانًا، وهو ما يمثِّل خسارة ربما تصل للمليارات تتكبدها هذه الشركات يوميًا.
ولكن، فى السنوات الأخيرة، بدأ الأمر يتخذ مجرى آخر، ونقلت هذه الشركات حربها الضروس إلى مستوى متقدم، وسأتكلم عن ذلك من واقع خبرتى الشخصية مع إنشاء قناة خاصة بى على موقع YouTube، وما تعرّضت له من مواجهات، بعضها حاد، مع هذه الشركات عينها، فى صراع بين مستخدم الإنترنت الذى يعشق ثقافة ما، ويسعى ببساطة للاستمتاع بها ونشرها، وبين ملاك هذه الثقافة والمتكسب المادي الأساسي منها.
بادئ ذى بدء، تم إنشاء موقع يوتيوب فى فبراير من عام 2005، لعرض مواد فيلمية يقوم بتحميلها مستخدمون من مكتباتهم الشخصية (سواء كانت من إبداع غيرهم، أو من إبداعهم الشخصي)، أو مؤسسات تروِّج لإنتاجها، أو تقدمه كاملًا (كالمؤسسات الإعلامية المعروفةCBS أو BBC، أو شركات الإنتاج الشهيرة مثل Lions Gate Entertainment). ثم عقب نجاحه الكبير، الذى جعله ثالث المواقع نجاحًا بعد Google و Facebook، اشترته شركة جوجول فى نوفمبر من عام 2006 بمبلغ خيالى، أكثر من مليار ونصف المليار دولار، ليعيش درجة نجاح أكبر. من المعروف أنك بمجرد الولوج على الموقع، وتحديد اسم مُستخدِم خاص بك، يكون لك “قناة” تخزّن فيها ڤيديوهاتك المفضلة من الموقع ذاته، وتعرض آخر تعليقاتك على هذه الڤيديوهات وغيرها، وتقوم فيها بتحميل وبث موادك الفيلمية، على نحو خصوصي أو عام. إنشاء القناة مجانى، ولا تكسّب مادى منه؛ إلا فى حالة النجاح المدوي لڤيديو يملك صاحب القناة حقوقه بشكل كامل، مما يقود لإمكانية عرض إعلانات بجواره أو شراءه أو حتى شراء القناة التى تبثه. فى أكتوبر من عام 2009، أنشأتُ بشكل شخصي قناة على هذا الموقع، واسمتها Ahmedabdelreheem، وحمّلت مجموعة من الڤيديوهات القصيرة، التى أخرجها عبر بعض برامج المونتاچ، وتباينت هذه الڤيديوهات من حيث استخدام مواد لا أملك حقوق ملكيتها الفكرية، أو مواد ساقطة الحقوق، أو مواد من إبداعي الشخصي.
بلغ عدد الڤيديوهات التى حمّلتها على قناتى حوالى 100 ڤيديو، وتعالت نسبة المشاهدة قياسًا على مجموع مرات مشاهدة كل ڤيديو على حدة، وهو ما يبيّنه الموقع عبر رقم يظهر تحت الڤيديو نفسه فى خدمة تعداد يومي تحصى ما حققه من مشاهدات، بل يحدِّد الموقع، فى خدمة أخرى، الدول التى تجمع أكبر كثافة مشاهدين للڤيديو الواحد، بناءً على الانتماءات الوطنية المسجَّلة لرواد الموقع. كانت الڤيديوهات فى قناتى قائمة فى جزء منها على توجيه تحية للسينما بشكل عام، من خلال صور أفيشات ونجوم، وأجزاء من أفلام قديمة. وفى جزء آخر، قمت بمونتاچ لعدد من اللوحات أو الصور الفوتوغرافية الفنية، على مقطوعات موسيقية لتحقيق تعبير بصرى سمعى يعكس وجهة نظر، أو ينقل إحساسًا ما. ومن ناحية أخرى، حمّلت أعمالًا فنية كاملة من إنتاج شركات لها ثقلها، فى خطوة ظننت ببراءة، أو بسذاجة، أنها غير إجرامية، أو جائزة استنادا لبديهية حدوثها كل يوم على صفحات هذا الموقع وغيره، لكن كانت لأفعالي عواقب لم أتوقعها، وهى العواقب التى تسعى المؤسسات السالفة الذكر لتفعيلها إنقاذًا لنفسها من الخسارة المادية أو المعنوية التى تتعرض لها بقسوة مع اتساع الفضاء الإلكترونى، وتزايد مستعمليه مع كل حركة لعقرب الساعة.
على سبيل المثال، حمّلت تتابعًا من الفيلم الأمريكيThe Untouchables أو الأطهار من إنتاج عام 1986 للمخرج برايان دى بالما، خاص بأحد المشاهد الأستاذية فى التشويق والأكشن؛ لانبهاري فنيًا به، ولرغبتى فى استعراض هذا الانبهار، وجعله موضع حديث بين المشاهدين. لكن، وبعد حوالى يومين من تحميلى للمقطع، فوجئت برسالة على بريدى الإلكترونى، الذى سجّلته فى الموقع مبكرًا، من إدارة الموقع بإيعاز من شركة Paramount، وهى شركة إنتاج هوليوودية عريقة وضخمة، تقوم بتحذيري، أو ربما تخييرى، إما أن أحذف هذا المقطع، المملوك لهذه الشركة، وإما سيلغوا القناة الخاصة بي، وبالتبعية كل الڤيديوهات التى حمّلتها سابقًا، وكل الصداقات التى حققتها مع بقية أصحاب القنوات الأخرى. طبعًا كان الاختيار إجباريًا، والحذف هو الحل الذى لا مهرب منه.
إذا كنت تظن، عزيزي القارئ، أن هذه الرسالة مزيفة، أو أنها مزحة ثقيلة الظل من صديق، فإليك ما أكّد حقيقتها، ودعّم هدفها، وإن كان فى إطار متطور، رغم ما فيه من دماثة ولطف هذه المرة، فإنه احتفظ بالنبرة التهديدية ذاتها، والاختيار القاسي نفسه.
كنت قد حمّلت الفيلم القصيرKitty Foiled أو القط المهزوم، كاملًا. وهو أحد أفلام الثنائى الكارتونى توم وجيرى، من إنتاج شركة Metro Golden Mayer عام 1948. هذا الفيلم – كما سطرت تحته فى الموقع تعريفًا به، وشهادة منى عنه – من أفضل أفلام توم وجيرى، إن لم يكن الأفضل قاطبة. وإذا بى، مع مرور أيام ليست بالعديدة، أجد الڤيديو يحرز درجة مشاهدة خرافية. فأنا لم أتوقع أن يقفز رقم المشاهدات يوميًا للآلاف بهذه السرعة، إلى الدرجة التى جعلته يحقق، واستعد لهذا الرقم، 16 مليون مشاهدة. بلا شك فرحت لتحقيق هذا الرقم الذى حوّل قناتى، كما سطر الموقع عليها، إلى واحدة من أكثر 3 قنوات مصرية مُشاهَدة عالميًا، ورحت أناقش الجوانب الفنية لهذا الفيلم مع بقية المشاهدين، لأعثر على إجابة لسؤال حيّرنى لسنوات، خاص بجزء فى الموسيقى التصويرية للفيلم كنت أشك أنه مستوحى من أحد الأوبرات القديمة، حيث عضد أحد المشاهدين هذا، بل تبرع بإعطائى عنوان هذه الأوبرا The Barber of Seville أو حلاق أشبيلية (1816) للموسيقار الإيطالى روسينى، كذا أجاب مشاهد آخر على سؤال آخر لى، خاص بحركة غامضة يؤديها القط توم عندما يعرف بقرب أجله، حيث يتلاعب بعملة معدنية بيده، وأظهر لى أن الأمر كان محاكاة كوميدية لحركة قام بها سابقًا الممثل الأمريكى جورج رافت فى فيلمه Scarface أو الوجه المندوب (1932).. إلى أن أفقت على كابوس لم أكن أتوقعه. ففى أحد الأيام، فوجئت، من جديد، أن الموقع يرفض ولوجى إليه أو توصيلي لقناتي عليه، عارضًا لوحة حمراء بها رسالة طويلة مفاداها إما أن أحذف هذا الفيلم، أو يهدم الموقع قناتى من أساسها، ويحذف كل ما عليها من ڤيديوهات!
لكن هذه المرة، اختلفت النبرة؛ فبعد موافقتى على إلغاء الفيلم، عرض الموقع علىّ فيلمًا قصيرًا من إنتاجه، مدته 4 دقائق ونصف الدقيقة، يقدم بشكل كارتونى طريف درسًا كاملًا فى حقوق النشر والملكية الفكرية، وأن هناك مواد يملكها الغير، ولا يمكن عرضها بسهولة من خلال وسيلة إعلامية عامة بدون استئذان الجهة المنتجة، ماديًا بالطبع، وغيره من القواعد المُنظِّمة التى فى مجملها تحاول تضييق الخناق على تسريب هذه المواد التى تملكها شركات ترفض رؤية إنتاجها الفكرى والمالى وهو ينقلب – بدون إذن منها – إلى مشاع، لاسيما وهذه المواد ذاتها لا تزال مطروحة فى الأسواق وتحقّق مبيعات، فمن ذا الذى سيشترى فيلم توم وجيرى على DVD، وهو موجود “بلا مقابل” على موقع اليوتيوب؟! باختصار، كنت فى موقف حوّلنى – عمليًا – لقرصان؛ يسطو على ممتلكات الآخرين، وينشر للجميع مادة لا يملك حق نشرها. لكنى كنت قرصان طيّب؛ تحرّك بدافع من حسن النية، ولم يتربّح من أفعاله، وأذعن للقانون عند تطبيقه.
فيديو اليوتيوب التعليمي عن حقوق الملكية
بعد هذا الڤيديو، اكتشفت أن الموقع لايزال يرفض ولوجى إليه، إلا قبل أن يضعني أمام اختبار قصير قائم على فكرة الأسئلة والاختيارات، لامتحان قدرتي على إستيعاب المعلومات الواردة فى الڤيديو الأخير، وإما أن أجيب إجابة صحيحة، وأدخل للموقع وأستعيد قناتى، أو أجيب أجابة تشى بعدم فهمى للدرس الذى رأيته وسمعته منذ قليل، وعليه يضيع كل شىء. والحمد لله، من حسن حظى، استطعت اجتياز هذا الاختبار، وتمكنت أخيرًا من الولوج للموقع إلى جانب استعادة قناتى، لكن بعد فقدان 16 مليون مشاهد دفعة واحدة من سجل مشاهديها، وهو أمر لم أتخلص من غصته بعد!
إن هذا ليس من فراغ، فالموقع – كما قرأت – تعرَّض لدعاوى قضائية عديدة، باعتباره يسمح بانتهاك حقوق النشر والملكية الفكرية، ويبذل القليل لمنع ذلك، لاسيما الدعوى التى أقامتها مؤسسة Viacom، رابع أكبر مؤسسة إعلامية فى العالم، سنة 2007، والتى طالبت بمليار دولار كتعويض عن الأضرار التى ألحقها الموقع بها، بعد رصد 150 ألف ڤيديو تم تحميله عليه، ويحوى موادًا مملوكة لها. لذا، صار واضحًا ما تفعله الشركات الكبرى بالاتفاق مع موقع مثل هذا (الشركات لحماية ممتلكاتها، والموقع لحماية نفسه من التقاضى)، بمعلومية أن بعض هذه الشركات أتمت شراكات مع الموقع لعرض موادها عليه فى قنوات خاصة بها، وصار لزامًا على الموقع تحقيق وقاية كافية لهذه المواد حتى لا تُسرَق ويعاد تحميلها فى قنوات خاصة بأخرين.
وكنتيجة لذلك تُجرى الاتفاقيات يوميًا لتفعيل إجراءات، من أى نوع، تجاه عملية القرصنة، لأجد – بمجرد تنزيل الڤيديو – إخطارات فورية بخصوص الملكية الفكرية الخاصة بالڤيديو الذى أنزلته، تتابين فى كل مرة، فتارة أحمِّل ڤيديو صنعته قائم على السخرية من أفيشات أفلام نجم الحركة الأمريكى ستيڤن سيجال؛ حيث لا تخرج بتاتًا، طيلة خمسة وعشرين عامًا، عن صورة له وحيدًا بنظرة جامدة ومسدس فى يده، وذلك بعرض مجموعة الأفيشات المتشابهة بصحبة أغنية Mahna Mahna الشهيرة من برنامج العرائس الأمريكى The Muppet Show (عُرِض بين عامى 1976 و1981)، ليتم إبلاغى مباشرة بأن الڤيديو “ممنوع فى بعض البلدان”، لأن هذه البلدان وقّعت إتفاقيات مع المؤسسة التى ساهمت فى إنتاج وتوزيع هذه الأغنية، تقضى بإيقاف تداولها على نحو غير قانوني؛ والإذاعة على يوتيوب، بدون إذن ما من منتج العمل. وتارة ثانية أستبدل شريط الصوت الأصلى للعمل الذى حمّلته؛ كإضافة أغنية حديثة لرقصة قديمة لچين كيلى من فيلم Singin’ in the Rain أو الغناء تحت المطر من عام 1952، فما يكون من الموقع إلا تحذيرى أن عرض المادة غير لائق، بصفتها مملوكة لشركةWarner Bros. ، لكن بدون طلب أى رد فعل من جانبى، ليبقى الڤيديو معروضًا طالما استغل المادة الأصلية لكن بعد معالجتها وإضافة عمل آخر لها. وتارة ثالثة، يتم استخدام صور متعددة لمناظر طبيعية أو لقطات سينمائية، قد تنتمى لمواقع أو كتب لا حصر لها، ويصبح تتبّع ملكيتها الفكرية أمرًا مُرهِقًا، لذا يتبعد الموقع عن القلق بخصوصها، ويتجاهل التصرف ناحيتها، لتمر الأمور بسلام. وتارة رابعة يتم الموافقة على تحميل الڤيديو لكن ليُحَاصر عرضه تمامًا، مثلما حدث عندما حمّلت مشهد المساومة المالية من الفيلم الأمريكىTrue Grit أو عزيمة حقيقية (2010)، من إنتاج Paramount، لينضم إلى ڤيديوهات القناة لكن مع منع عرضه فى جميع دول العالم، وكأن الموقع يسمح بعرضه لكن على نحو “خاص” فقط؛ يمكِّننى من مشاهدته وحدى عقب ولوجى لقناتى، وتارة خامسة يتم رفض العمل بشكل قاطع، مثلما حدث فى حالة تحميل ڤيديو صمّمته كتحية لمسلسلات التلفزيون الأمريكى الكلاسيكية من السبعينيات والثمانينيات، وذلك فى اعتراض لاستخدام أغنية Heaven’s What I Feel للمطربة جلوريا إستيفان، التى وضعتها لتصاحب الڤيديو صوتيًا، وذلك لكونها مملوكة لشركة إنتاج كبرى، ولم يحرِّر الڤيديو من المنع إلا إعادة تصميمه مع استبدال هذه الأغنية بأخرى. تكرّر الأمر مع أغان أخرى، مثل: Remember Me This Way، Immortality، If I Could Change the World،I Wish You Love ، The Very Thought Of You، فى تأكيد لكونها أعمال تم حماية غطائها جيدًا ضد فكرة العرض المجاني.
المُلاحَظ أنه أحيانًا لا يتحقق الموقع من المادة المعروضة وملكيتها إلا متأخرًا، وهو ما يعنى أن الڤيديو المقرصن يُعرض فى سلام لفترة لا بأس بها، حتى “يكتشف” طرف ما انتماءه لمؤسسة تملك حقوقه، وبعدها يحدث الإنذار، والتحذير، ثم المنع. وهو ما يعكس ان آلية الكشف ليست فى أغلب الأحوال على هذه الدرجة من اليقظة الدائمة، وأن نظام رقابة الموقع، ومن ثم الرقابة على الفضاء الإلكترونى، ليس تامًا أو معصومًا، وإنما – وهذا ما تؤكده الأيام – يحاول تجويد أداءه، وتحديث أسلحته.
فقط تخيل مدينة، ونشاطًا غير مشروع يدور فيها، كالمتاجرة فى مسروقات. من البديهى أن الشرطة ستطارد هذا سواء حدث فى الميادين الواسعة والشوارع الكبيرة، أو فى الحارات الخلفية الضيقة. وسيكون نجاحها فى تأمين كل هذه الأماكن دليلًا على يقظة العدالة، وطول يد القانون، وهذا بالضبط ما يُسعى إليه فيما يختص بالمدينة المترامية الأطراف المسماة بالإنترنت. إنهم يحاولون حصار كل هذه النشاطات، بداية بالمواقع فاقعة النجاح، مثل يوتيوب، ووصولًا للمواقع الهامشية المختفية. لأن التمكّن من تضييق الخناق على المواقع الكبيرة كفيل بدب الرعب فى الحارات الجانبية، مؤكدًا أن يد القانون صارت تطول وتطول، لمنع هذه الأنشطة أو على الأقل تقليصها. وإذا لم يصبك ذلك بشكل مباشر، عبر إلزامك بحبس أو غرامة، فسوف يجبرك على الانصياع لنتائجه؛ عندما يمنعك من تحميل مواد لا تملك حق عرضها، أو تنزيل مواد مملوكة لأخرين دون دفع، أو يغلق مواقع كانت توفر لك ذلك!
وعليه، تظل القرصنة، سواء التى تسطو على ممتلكات الغير للتكسّب منها، أو لمجرد نشرها المجاني، فعلًا غير قانونيًا، ولكن مستخدم الإنترنت العادي لا يزال يرى فى الأمر مجرد عملية تلقى ثقافى حر، معتبرًا مثلًا مسألة تنزيله لفيلم من أحد المواقع غير الشرعية أشبه بتسجيله من قناة تلفزيونية، فى الوقت الذى اعتاد فيه ألا يفكر فى الممرات الشرعية التى مرَّ بها هذا الفيلم أولًا حتى وصل للقناة التلفزيونية، والتى تدفع مقابل استغلال حق عرضه، ولفترة محددة، وذلك عقب نهاية عرضه سينمائيًا، وتسويقه تجاريًا على أسطوانات مدمجة أيضًا. لذا لا شك أن الإنترنت، ومستخدمه، لا يزالا فى طور مبكر، قد لا يتجاوز الطفولة أو المراهقة (بمعلومية أننا بالفعل أمام آلية شابة لم يتجاوز عمرها الثلاثة عقود بعد)، مما يجعل الأيام التى نعيشها، والتى يمكن لك فيها أن تقوم بتنزيل مختلف الأفلام المملوكة للغير فى يسر، أيامًا نادرة، ستفتقدها أنت وأولادك وأحفادك من بعدك، فالتشرعيات ضد القرصنة تزداد حيوية، والإجراءات للحد منها تسير على قدم وساق، والطريق الذى يبدو مفتوحًا أمامنا على مصراعيه الآن، يشى مستقبله بأنه سيضيق ويضيق، وربما يتحوّل إلى “حارة سد” يومًا ما أعلم أن كل قارئى هذا المقال لا يرغبون فى قربه، أو فى حدوثه أصلًا! فالكل إعتاد أن الإنترنت هو فضاء حريته الشاسع، حيث تذوب الملكيات الخاصة مع القوانين المُنظَّمة فى فراغه السحيق، وينتقم الفرد من الكيانات الكبرى خلال جلوسه فى غرفة نومه، لكن يؤكد المثال الذى عشته مع موقع اليوتيوب أن حرية، أو إباحية، الإنترنت سيصير لها حدود، ودفعك لـ”مقابل” العمل الفنى الذى ترغب فى تنزيله لهو كابوس سنعيشه معًا بالغد، وإما أن تخضع لهذا المتغير، وتعتبر ما عشته مجرد فترة “انفلات أمنى” فاتنة، أو تحلم بأن فضاء الإنترنت سيكون دائمًا أبعد من الإحاطة به كاملًا، وستبقى به مساحات لن يطولها أي قانون.
……………………………….
*نُشرت فى مجلة الثقافة الجديدة / العدد 270 / مارس 2013.