محسن يونس
رواية “تاج شمس” للروائي هاني القط والصادرة أخيرا عن “بيت الحكمة”، تصنع تراجيديا تستنطق اللغة والمكان والناس والقضايا المتعددة المطروحة من خلال المتن، الذى يقيم دعائمه وجدرانه الدرامية، عبر صراع هو صراع الفكرة، وفضاء النص– أؤكد لك – أنك أثناء التعامل معه سوف تسمع بأذنيك إيقاع الدفوف والطبل الذى يضفى على هذه التراجيديا إيقاعه الموتر للقلب، وتنبه العقل سوف تعى أن هاهنا مأساة، علينا أن ننتبه.
ببساطة ” تاج شمس ” بلدة على نهر، هى بأزقتها وحقولها، وعمدتها وخفرائها وحلاقها وحتى الغرباء الذين تحط رحالهم بها، ومن قبلهم ناسها بالطبع يواجهون أزمة الموت من خلال الوباء أو أزمة تداول السلطة، أو الفقر، مرة أخرى وببساطة جدلية الحياة بين المواجهة أو الهرب، ليست الرواية مبنية على تتبع النص لشخصية واحدة نسميها البطل، كمسطرة رسمت خطا له بداية، وله نهاية بينهما أفعال تلك الشخصية، التى يمكن للقارئ تأويلها أو فهمها فى حدود المكتوب، وما يطرحه الكاتب من أفكار نتجاوب معها أو نرفضها، القط لا يفعل هذا فى روايته “تاج شمس” الرواية تستنطق البلدة بكامل ناسها – أو ما تيسر من أهلها – وحيوانها، وفضاء تجرى فيه مصائر عديدة تتقاطع حينا، أو تنفصل لتصنع مجرى خاص بها، كما أن اللعنة هى اللغة المتداولة فى هذا الفضاء، صراع السلطة الذى يأتى بالعنف تارة، وبالمؤامرة تارة أخرى، وبالطبع بالإزاحة الجسدية، الحب غير المكتمل والمستعصى، والذى يولد مع استحالة تحققه، الموت والحياة، الموت ثم العودة إلى الحياة، إنها بهذا دراما واسعة المحتوى، تشهد على فصولها ” الجليلة ” تلك العجوز الحكيمة، أو التى يطمح أهل تاج شمس أن يجدو لديها دائما حلا ما، أو قولا فاصلا لمشكلة ما، الحقيقة أن النص لا يقدمها إلا معلقة على الأحداث، أو مستبصرة بما هو آت، ولكنها كشاهدة أصيلة تشبه كتاب تاريخ تاج شمس، لو طويت صفحاته ستجدها ناطقة بما حدث، اختار القط لها دورها، وعلينا التفاعل مع هذا الدور، لأننا نحن القراء نشبهها بشكل ما، ومن زاوية العلم بالمصائر كما وجدناها فى المكتوب فى النص، لذا حينما ينتهى أجلها يعلن خليل زوج ابنتها أن على الموت أن يخجل، ليس عدم تصديق، وإنما تذكيرا خفيا لنا أن الأساطير يمكن أن يصيبها فى عالمنا هذا ما يصيب كل شىء على أديم كوكبنا، وهذه جرأة منه، ومنا فى تصديقه، ولكنها حقيقة لا يمكن أن نغمض أعيينا عن ثبوتها رغم أن الأساطير صنعت لتبقى!!
نجد ذلك عوضا فى شخصية “فرحة” تمسط عصا وتجلس نفس جلسة الجليلة لعلها تمارس نفس دورها، شخصية أخرى أكثر “أسطرة” هى شخصية “الميت” الذى مات وعاد بعد موته حيا، ليبدأ حياة جديدة، بل يصل الأمر به إلى أن يكون مساعدا فى الحفاظ على حياة الآخرين، ويكون سببا قويا فى إنقاذهم من الموت حرقا، المتن يمتلىء بالحيوات والمصائر كما أشرنا، وعلى هذا تتعدد مسارات شخوصها، ربما يكون الحريق الأخير قرب نهاية النص الروائى محاولة للغسل من ذنوب طالت زمنا، ليتخلق عالم جديد نظيف البدن والنية، يمارس ناسه الحياة من جديد فى تاج شمس الطاهرة ..
كل التقدير للكاتب “هانى القط” فى محاولته الروائية التى خرجت عن المألوف فى كتابات كثيرة همها كل ما هو شخصى ويومى، إلى عالم قائم على أسطرة القول والفعل بتمكن وطول بال وجهد، نتمنى له دوام التألق والإبداع المتميز.