إبراهيم مشارة
لاَ تَسْأَل الشىء الحَزِيْنَ أَنْ يَمُرَّ كُلَّ يِوْمْ
عَلَى مَرَافِئِ العُيُونْ
لاَ تَسْأَل الشىء الحَزِيْنَ أَنْ يبِيْنَ
… أَنْ يبِيْنْ
لأَنَّهُ مَكْنُونْ
لاَ تَسْأَل الشىء الحَزِيْنَ أَنْ يَقِرّْ
لأَنَّهُ كَطَائِرِ البِحَارِ … لاَ مَقَرّْ
وَقُلْ لَهُ :
إِذَا أهَلَّ فِى المَدَى ، وَنَقَّرَ البَيَاضَ فِى عَينَيْكْ
وَغَيَّمَ المَكَانُ بِالدُّمُوعِ مِثْلَ حُلْمْ …
” لقَدْ مَلَكْتَنِى … فَتَحْتُ لَكْ
صُنْدُوقَ قَلْبِىَ الكَلِيْمْ
فَلْتَقْطُرُ الدُّمُوعُ .. كَالنَّغَمْ
– الشىء الحزين صلاح عبد الصبور-
حزني هويتي أو هو إنيتي هو شرفي وعرضي أجمعه أضغطه أنفيه إلى عالمي الداخلي أحوطه بضحكات مخاتلة وبحديث عابر، نظرتي مطاطية أحاول مدها إلى أبعد من عالمي الرمادي الداخلي بتلك الضحكات المصطنعة لكنها سرعان ما تعود إلى حجمها الطبيعي !
أقرأ صفحات من رواية فرونسواز ساجان صباح الخير أيها الحزن :(هذا الشعور المجهول حيث الملل والنعومة فيه تسيطران عليّ، أتراجع عن تسميته، عن إعطائه الاسم الجميل والقاسي ألا وهو الحزن. إنه شعور متكامل وأناني الى درجة أنه يشعرني بالخجل، غير أن الحزن يبدو لي مشرفاً. لم أكن أعرفه هو، لكنني عرفت الملل والأسف وبكمية أقل الندم. اليوم، شيء ما تماماً مثل حرير ناعم ومزعج ينطوي عليّ ويجعلني أنفصل عن الآخرين)
.
أتعجب مالذي يجمع بين حزني وحزنها هي مراهقة ثائرة على مجتمع بورجوازي متخم وأنا رجل مكتهل يصافح غبار الطريق في أرض تغضن فيها جبين الساعة وامتلأ بثآليل القبح فغدا كوجه ميدوزا.
سبحان من مرج الحزنين بينهما برزخ لا يبغيان!
***
حزني من حزن أرضي الشهباء ووجوه قومي المغبرة، حزني من حزن التاريخ الذي كان فروسية وشهادة فغدا علامة استفهام بلهاء تعثرت القابلة وهي تستولد رحمه بفارس جديد لعله أبو زيد الهلالي لعله السندباد يملأ الأرض كشفا وبهجة ومغامرة يحط رحاله كل يوم في جزيرة يجمع الثعابين والحكايا والبخور فنزداد عشقا ولهفة وحنينا،حزني حكمة كرعتها من كأس حياتنا التي صارت غير مجدية وبلا جدوى.
***
كلما جلست على صخرة همومي بعد أن ترتد علي وأنا أدفعها على هذا الجبل السيزيفي المسمى الوطن – ومن عجيب أنها تحملني وأحملها- هي طبقتي وأنا شنها أوالعكس-أمواج اليأس واللاجدوى والملل والروتين تضرب تلك الصخرة ولكن لا تفتها عجبا هي أصلد من الصخر؟ ضرورات العيش وتلك الكلمة الطالعة من أمعاء التاريخ “ليس في الإمكان أبدع مما كان” تجعلني ألحس المبرد بكل برودة دمي هو النازف وأنا أسير على درب هذه الحياة التي ابتذلتني فيها العادة والغريزة وحب السلامة. سكن حزنك تسلم لا تجعله متحركا فتندم وانفه إلى قرارة الروح ليقطع نياط القلب ويجتث أهداب الروح بألم هو أفضع الآلام
.
تمنيت أن الخمر حلت لنشوة * تجهلني كيف اطمأنت بي الحال
لماذا سلوتك ؟ ثم استفاق في الحنين مد يده كطفل رضيع يبحث عن ثدي أمه
تلهفت على منظر تراقص النجوم في قبة السماء وخرير الساقية وتمايل شجرة الصفصاف العملاقة ورائحة الأرض المبتلة التي تذكرني برائحتك لكن لما حان موعد اللقاء هربت أحسست بساقي لا تحملاني فقدت الرغبة في كل شيء وعدت أجتر الملل البارد عدت أكتب عن الشوق والحنين وأمني النفس بلقاء جديد لأهرب من جديد. وخسرتك أيها العشق كنت ما يتدفق في عروقي ،ما ينبض به قلبي في الزمن الأخضر واليوم يتدفق فيها دم كدم السوائم في الزمن الأغبر.
***
لماذا تطاردونني في خلوتي، في احتساء فنجان قهوتي، في ضجعتي بمراسيمكم البلهاء تريدونني وليمة للذئاب على هذه الجغرافيا المترعة ذلا واستبدادا وعبثا ولاجدوى!؟
شريعتي الرفض لكل ذئب وشاة على السواء.
حين سقط القناع على القناع تبينت أن ما تحته وجه سامري ليس عنده إلا الضياع والخواء فواحسرتاه
!
***
تعالي نشرب نخب دموعنا
على أعتاب ليالينا الموحشة
من قمر وقصيد وربابة
نكنس غبار الشارع بصدى ضحكاتنا
فأنا متشرد على قارعة المواطنة
صعلوك ،عاشق قديم من زمن أقدم
أنا ذاك الفتى الطروادي الذي وشمت أمه
على زنده قلبا وسيفا وحمامة
كتمت عشقي لأن الذئاب لم تعد تريد رومانتيكية ولا قصائد مدبجة
في تمجيد الحب والأوطان
بل تريدني نادلا في ملهى ليلي
يعمل ليقيم أود أولاده وزوجته
ويعجب كيف وصلت إلى الملهى خضرة وزهرة ؟ !
ويصيح فلا جواب
غير العواء وضحكات السكارى
وصدى الدمع الحزين من مقلتيهما
والليل المطبق البهيم !
إ.م
…………..
*كاتب من الجزائر