طاهر عبد الرحمن
كانت “واحة الغروب” – آخر أعمال “بهاء طاهر” حتى الآن – هي أول ما قرأت له، واعتبرت ذلك فألا حسنا بالنسبة لي حيث سحرتني أجواءها وشخصياتها، وتتابعت قراءاتي لمعظم ما كتبه بعد ذلك.
مثلي مثل كثير من أبناء جيلي سمعنا باسم “بهاء طاهر” لأول مرة من خلال تتر المسلسل التليفزيوني “خالتي صفية والدير” المأخوذ عن رواية له بنفس الاسم في التسعينيات من القرن الماضي.
وسوف تمر سنوات حتى أسمع باسمه مرة أخرى من خلال المراجعات النقدية في صحف مختلفة لروايته “نقطة النور”، وبعدها عندما فاز بجائزة البوكر العربية في أول دورة لها عام 2008 عن روايته “واحة الغروب”.
وقتها أبدى الكاتب الكبير “محمد المنسي قنديل” اعتراضه على ذلك الفوز وقال كيف تُمنح الجائزة لكاتب يكتب رواية كل عشر سنوات!؟
ما قاله “قنديل” كان دافعا قويا للتعرّف على ذلك الكاتب “الكسول”، خاصة وأن قراءة الروايات كانت محذوفة من قائمتي تلك السنوات باعتبار – ثبت خطأه – أنها مضيعة للوقت والجهد بالمقارنة مع باقي أنواع الكتب!
كنا في السنوات الأخيرة – التي لم نكن نعرف أنها الأخيرة – من حكم الرئيس حسني مبارك بكل ما فيها من إحباط ويأس من كل – وأي – شيء، لكن بالتوازي مع ذلك كان فن الرواية – وبغض النظر عن الأسباب – يفرض سطوته ويستحوذ على الساحة بشكل شبه كامل، وبدأت دور النشر تهتم بهذا النوع من الإبداع اهتماما شديدا على اختلاف جودته واستحقاقه للنشر، لكن كل ذلك أعاد للقراءة مكانتها.
في الواقع – ومن زاوية شخصية بحتة – كانت لروايات “بهاء طاهر” ومجموعاته القصصية الفضل في أن أعاود القراءة، خاصة عندما وجدت في مكتبتي نسخة من “كتاب في جريدة” الذي كان يوزع مع الأهرام مجانا منذ سنوات بعيدة، وفيه مجموعة “بالأمس حلمت بك”.
لا يمكن اتهام “بهاء” بالكسل الإبداعي (..)، ولا أعرف على أي أساس بنى “المنسي قنديل” اتهامه ذلك (وهو أيضا كاتب وأديب متميز وله حضوره القوي في عالم الرواية)، فهل من المفروض أن يكتب الأديب رواية كل عام أو كل بضعة شهور!؟ ثم إن حائزة البوكر تُمنح لعمل أدبي محدد وليس عن مجمل الأعمال.
على كل حال فإن ذلك كان سببا لكي أتعرف على عالم “بهاء طاهر” وأدبه، وأن تكون روايته “واحة الغروب” – على وجه الخصوص – واحدة من أهم وأجمل الروايات التي قرأتها حتى الآن، ومعيار “الجمال” عندي في الكتب بشكل عام هو أن أقرأ الكتاب أكثر من مرة ولا أمِل منه، ثم إنني أكتشف في كل مرة سببا جديدا لإعادة القراءة.
الميزة الكبرى ل”بهاء طاهر” أنه لا يكتب لأنه – فقط – يريد الكتابة، أو أن لديه فكرة ما تسيطر عليه، هو لا يكتب – هكذا أشعر كقارىء – إلا عندما يعيش (في الخيال طبعا) تماما حياة أبطاله بماضيهم وحاضرهم، وهذا هو سبب التنوع والاختلاف الكبير بين كل رواية وأخرى، وهو ما يجعله مقلا في أعماله التي تحتاج لسنوات حتى تنشر.