بلاد في كأس

جبار ياسين
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

جبار ياسين

حدّق بكأسِكَ تجد البلاد
ونهرك في الطفولة.
حدّق في انكساراتِ النّبيذِ
في حُمرةٍ رقراقةٍ
هي جهدُ التّرابِ
وعينُ الشّمسِ
ومذاقُ العارفين.

في حُمرةِ الخمرِ
لونُ العُشبِ،
أوراقُ الشّجرِ،
لونُ الخجلِ الأوّل،
وطعمُ القُبلةِ الأولى.

في تضاريسِ الخمرِ
سهلٌ رسوبي
صحراءُ مِن رملٍ تُخفي كنوزاً،
جبالٌ مِن الشّذرِ وأنواعُ العقيقِ،
حَبُّ رُمّانٍ يلمعُ في الظّهيرةِ،
أنهارٌ تسيلُ إلى الجنوبِ
ترافقُها بحّةُ صوتٍ،
آهةٌ تأتي مِن ليالي الصّيفِ،
وفي المساءِ ندى يهطلُ مِن أوراقِ البرتقال،
عزفُ عودٍ وناي،
وأحزانٌ مِنَ الماضي.

حدّق بكأسِكَ في المساءِ،
وتذكّر زهرةَ الرُّمانِ،
حفيفَ الفَراشِ في آذار،
برتقالةً نبتت بقدرةِ اللهِ،
ونخلةً فرشت فروعَها سعفاً
يظلّلُ الفسائلَ.

حدّق في حُمرةِ الخمرِ الأرجوانية
كي تجدَ البياضَ
عطرَ الأرضِ وطعمَ الكرمِ
ولونَ الفجرِ في ليالي الصّيفِ..
فما البلادُ غير ذكرياتِ ألوان،
أنواعِ عطرٍ
طعمِ فاكهةٍ
ووجوه كثيرة
غابتْ أو ابتعدتْ،
وأنتَ هنا تداعبُ الذّكرى بكأسِ نبيذٍ،
نارُكَ في الموقدِ ترمي إليك القَصص
أهلُ الكهفِ وكلبهم
قِصّةُ يوسف
قِصّةُ موسى والخضر
انشقاقُ البحرِ في سيناء
وقِصّتُكَ الطّويلة.

في كأسِ النّبيذِ “عدنٌ مضاع “
” مملكةٌ سوداء “
” دجلةُ الخير “
و”انشودةٌ للمطر “
سترشفُ تاريخ بلادك رشفةً إثر رشفةّ
وفي قاعِ الكأسِ أسرارٌ،
سرُّ الزّجاجِ
سرُّ الرّملِ والنّار
سرُّ العشقِ
سرُّ الرّحيلِ المبكرِ للشّمسِ في كانون.
أسكبِ الخمرَ في كأسِكَ،
فلن تحلَّ أسرارَ الوجودِ بكأسٍ فارغة.
سرُّ المعارفِ كلّها في سكرةٍ
في خمرٍ يسيلُ مِن حافّةِ الكأسِ
إلى نهايةِ الكونِ البعيدة،
وأنتَ هنا وهناك في لحظةٍ واحدةٍ
وبلادك في الكأسِ تراك،
وتراها.

مقالات من نفس القسم

علي مجيد البديري
يتبعهم الغاوون
موقع الكتابة

الآثم