بر- بحر

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

قصة : راجي بطحيش *

1

استيقظ ذات صباح مستقيم ، اقتطع ماءً ساخنا من البئر الأخيرة ، اذيب فيه قليلا من السكر وابجديات الضحية , وأدير ظهري للبحر.

2

عندما سرق البحر منا تعلمنا الا نسأل عنه ، نخاف منه ، نخاف من ذلك الحد الذي يصنع لبرهة أرض، بصمة.

3

أدير ظهري للبحر إذا ، منذ أن أخبرتني جدتي أن لا بحر لنا، وأن الهضاب والتلال المنخفضة وشجر السرو والصنوبر وأشباه الينابيع وانصاف البحيرات هي ملاعبنا الأبدية ، منذ الآن. سجل عندك.

4

منذ لحظة إخباري.

5

منذ أن سرق البحر منا ، اقف عند حافة النص فتداهمني رياح نسيان، نسيان لما لم أعد أتذكر منه شيئا..ما حفنة البحر؟ ما مداها المستطيل المحدب المقوس ..السرمدي منّي.

6

منذ لحظة وصولي..

7

لا أعرف البحر ولا صوت تكسر أشلائه ولا رائحة الزبد المتخمر في بيروت والماضي الينا –لكن ما هنا وما هناك –  ولا حتى ألوان العبوات البلاستيكية   المتسللة من الإسكندرية شمالا.

8

لحظة سرق البحر من أبي ، علمني هو الا أسأل عنه –عن البحر- ليس هذا بحرنا يا ولدي ولا الرمل حقيقي ولا ذاك السرطان الزاحف بإتجاهنا يقصدنا نحن بل أنه في الواقع  سيبصق قربنا ويمضي الى من جهزوا له عشبا طريا عذبا منذ دهر ، فلنشتري سمكتين من المقصف الجبلي المنسي ونفر عبر الهضاب والمرج الى مخبأنا ومثوانا ومرتع انتظارنا على ضفاف نبع جف..

9

صَدَفة حبلي بغيابي/ك/نا..

10

يبتلع ابي كلماته وكأنه يندم على تركه للبحر هكذا ببساطة ورميه في أحضان عشاق غرباء جاءوا من البلطيق ولم يرحلوا من يومها ، ولكن العربة المهتزة المهترئة القديمة التي تعبق برائحة الوقود وشمس الظهيرة القاتلة، تمضي بنا..بي..وبه..وبصمتنا ..وصخب أسئلتي ..وبمداواة ندوب مسلماتنا ..

11

بما ان البحر سرق منا فعلينا الحفاظ على اخلاقيات الهزائم وبالتالي عيش فقدانه حتى النخاع فلنشتر سمك “برك” يا ولدى واتركك من السمك “الحيفاوي” فنحن لا نستحقه ، نحن اتفه من ان نستحقه…أدر ظهرك للبحر..أدره..

12

ولكن لماذا ؟ لماذا نقطف الأسماك من البر لقد استلقينا على صدى الرذاذ قبل برهة وقليل..

13

علينا الإلتزام بقوانين الفقدان، يا فلذة كبدي …

14

نهايات اكتوبر 2009، الصيف يابى ان يفارقنا ، إذا علينا انتظار مريم في محطة قطارات الشاطئ يا ولدي..أدر ظهرك للبحر ، لا تحاول حتى إختراق حاجز الفقد، العب ها هنا وكأن العالم يتجمع الآن في موقف السيارات هذا ..ينتظر هبوط محطة “فيروز” عليه في تلك المغناة السبعينية ..

15

أدير ظهري وأغني له مقطعا من “نطرونا كتير كتير عموقف دارينا…” فيهرب مني …يفر هكذا..

16

يفتح صدره للبحر ، يجري ويجري ..اتبعه مفزوعا (فهو لم يتجاوز العام والقليل منه) ، يمضي ..يكرج على الرمل وكأنه ولد بين انثنائاته ، ينظر الي ساخرا ، يتحقق من وجودي ضمن قطر الدائرة المناسب ، لم تحن ساعة الموج بعد، يقلد صوته ، ويستلقي على الرمل هانئا …

17

ولكن البحر سرق منا..وعلينا احترام قدس غيابه…

18

يتناثر الرمل على وجهي وملابسي وشعيرات صدري الرمادية…امتلئ رملاً ونشوة خارج وقتها..

19

يجري الطفل وراء كائن برمائي لا اعرفه ، قبل ان يرتمي ذاك في أحضان غرباء بحر الشمال…

ــــــــــــــــــــــــــــــ

* قاص من فلسطين

 

خاص الكتابة

مقالات من نفس القسم

تراب الحكايات
موقع الكتابة

خلخال