تقديم وترجمة: د. سارة حامد حواس
شاعرٌ هنديٌّ له طرازه الخاص، يمتاز بنظرته الفلسفية للحياة، يحب تأمل ذاته، حالها، يتابع علاقته بذاته عن طريق تساؤلاته الكثيرة عن نفسه وحاله وعن علاقته بمحيطه أيضًا، يواجه ذاته بكتاباته الشعرية، فالشعر طريقته في مواجهة الذات وتأملها عن قرب .
عندما تقرأ قصائده، تشعر كأنك مُشاهدٌ لمسرحيةٍ البطل فيها في مشهد ” سولو ”، الضوء فيه مسلَّط عليه وحده وصوته الداخلي يعلو على صوته الخارجي، في حالةٍ شبه دائمة من مساءلة الذات .
شاعر يؤمن بأن الشعر هو التعبير عن الواقع سواء أكان واقعا يخصه أم يخص عالمه الخارجي، يعبر عن كل ذلك بأسلوبٍ سلس خال من الوعورة والصعوبة، يضعك في حالةٍ من التفكير والتأمل. أثناء قراءة شعره، شعرت أنه أسقط كل تساؤلاته على نفسي حتى أنني سألت نفسي الأسئلة نفسها التي سألها في قصائده، وهذا يعكس صدقه وبلاغته ونجاحه بوصفه شاعرا في توصيل كل ما يجول في ذهنه وقلبه للمتلقي وهذا يدل على أنه شاعرٌ متمكن من أدواته.
بارابال كومر باسو شاعر غير تقليدي، شعره حر كما روحه،لا يقيد نفسه بوزنٍ أو قافيةٍ، رأيت أنه متأثرٌ بالشعر الاعترافي إلى حدٍّ ما، فشعره هو سيرته الذاتية، يتعمد المباشرة ولكنها مباشرة مكتوبة بفن، وحِرَفية، مباشرة محببة إلى النفس وعميقة.
شاعر يستخدم عقله وقلبه في الكتابة، يستعين بهما أثناء انفراده في كتاباته الشعرية وهذه عادة الشعراء الذين تغلب عليهم الأفكار الفلسفية.عندما أقبلت على قراءة شعره شعرت بأنني سأترجم قصائد بسيطة وسهلة من سلاسة الكلمات واللغة ولكنني عندما شرعت في ترجمتها وبدأت في تفكيك قصيدته، شعرت بأن صوته الشعري يعلو على لغته وصوته الداخلي أعطى نوعا من العمق الذي جعلني أتأملها بصورةٍ أخرى وبشكلٍ آخر حتى أنها أخذت مني الوقت المعتاد في ترجمة أي قصيدة متكاملة الأركان، فيمكننا أن نطلق على قصيدته أنها من نوع ”السهل الممتنع.”
بارابال كومر باسو شاعر مختلف، يستحق إلقاء الضوء عليه وعلى شعره الذي يأخذنا إلى عوالمه الخاصة التي لا يعلم بها أحد غيره.
وفي حوار للشاعر مع إحدي المجلات أدلى بشهادته عن الشعر قائلا: ”الشعر تعبير صادق ينبع من الروح، وتجسيد للحياة من حول الشاعر، يتعرض الشاعر لتجارب متنوعة من الاحتجاج والحب والفرحة واليأس والحزن والأمنيات والجمال والقبح إلى جانب العديد من الموضوعات الأخرى ويأتي الشعر ليكشف عن حقائق تحتاج إلى اكتشافها ومع ذلك يبقى الكثير الذي لا يُباح وهذا يخلق شعورا عميقا عند القاريء ويؤثر فيه ويمنحه شعورا بأن ما يعبر عنه الشاعر هو أيضا من تجربته الشخصية”.
كما أن أن بارابال كومر باسو لا يكتب شعرا فقط بل يكتب نثرا بشكل واسع عن الفن والأدب والمسرح وقال إن التفاعل بين التخصصات المختلفة ضروري لنمو الفرد كما أن ذلك ساعده في إثراء عقله بأفكار مختلفة ومتجددة وأثر تأثيرا إيجابيا وكبيرا في كتابته الشعرية.
سيرة الشاعر الذاتية:
برابال كومر باسو شاعر ومحرر ومفكر هندي معروف، لديه واحد وعشرون كتابا شعريا بالإضافة إلى محموعة كبيرة من المقالات والقصص الكثيرة. حرر ”Signposts’’ (الشعر البنغالي منذ الاستقلال)،كما يعمل بوصفه محررا لمجلة يابانشيترا وهي مجلة بنغالية صغيرة تعتبر منصة للشباب.
حاصل على جائزة الأكاديمية الحكومية للشعر وشارك في العديد من المهرجانات الأدبية الوطنية والدولية، وتُرجم شعره إلى الكثير من اللغات.
وهنا أربع قصائد للشاعر:
بعضُ ناسٍ
بعضُهُم مُؤمنُونَ
بعضُهُم لا
بعضُهُم يقُولُونَ الحقيقةَ
بعضُهُم لا
بعضُهُم نباتِيُونَ
بعضُهُم لا
بعضُهُم يُربِّي كِلابًا
بعضُهُم لا
بعضُهُم يُحلِّي الشَّايَّ بالسُّكَّرِ
بعضُهُم لا
بعضُهُم يُغَيِّرُونَ مواقفَهُم في المطَرِ
بعضُهُم لا
بعضُهُم يُحبُّونَ العُدْوَانَ
بعضُهُم يتُوقُ إلى الأمانِ
بعضُهُم يُريدُ أن يصْرُخَ احتجاجًا
بعضُهُم لا
بعضُهُم يُحِبُّ الصَّيدَ
بعضُهُم يُحبُّ مُشاهدةَ التِلفاز.
بعْضُ ناسٍ يُحبُّونَ الهَدْمَ
بعضُهُم يُفضِّلُونَ التدخينَ
بعضُ ناسٍ يُحبُّونَ المشرُوباتِ القويَّةَ
بعضُهُم لا
بعضُ ناسٍ يتُوقُونَ إلى الإيمانِ
بعضُهُم لا
لكنَّ الجميعَ يُحِبُّ مُمَارسَةَ الحُبِّ
وقليلًا من السِّياسةِ
وإقامةَ مناطقَ أمانٍ
في حُدُودٍ لا نهائية.
***
أشياءٌ لم تُقلْ
كُلَّما عُدتُ منكِ
أشْعُرُ أنَّ شيئًا ما لم يُقَلْ
ليسَ لأنَّهُ كانَ شيئًا مُهِمًّا
ولا حتَّى لأنَّهُ كانَ أمرًا يتعلَّقُ بكِ أو بي
ولكن بعدَ عودتي منكِ
شعرتُ كأنَّ شيئًا ما لم يُقَلْ.
في لحظةٍ ما
لم أعُدْ أستطيعُ
تذكُّرَ ما كانَ يجبُ أن يُباحَ بهِ
وفي كثيرٍ من الأحيانِ أشعرُ أنَّ ما لم يُقَلْ
أكثرُ بكثيرٍ مِمَّا قِيلَ
ويبدُو أنَّ ما لم يُقَلْ
كان غيرَ جديرٍ بالبوْحِ.
***
المدينةُ التي أعيشُ فيها
في المدينةِ التي أعِيشُ فيها
يرتدي الجميعُ مِعْطَفَ المطرِ
سواء أكانت السَّماءُ تُمطر أم لا ؟
يرتدُونَ نظاراتٍ شمسيةً
حتَّى بعدَ غُرُوبِ الشَّمس.
في المدينةِ التي أعيشُ فيها
يُشْبهُ الجميعُ بعضَهُم
لذا لا صدِيقَ لي.
في المدينةِ التي أعيشُ فيها
تبدُو السَّماءُ ورديةً
ولا نجومَ فيها
يركضُ الجميعُ نحو الاتجاهِ
الذي تهُبُّ فيهِ الرِّيحُ.
مياهُ المدينةِ التي أعيشُ فيها
أيضًا بلا فضيلةٍ
ولا بحرٌ قريبٌ
ومع ذلك فالمياهُ مالحةٌ
أشعةُ الشَّمسِ الأولى
تقفُ على شُرفةِ بيتٍ مُجاورٍ
كلٌّ لهُ لغةٌ مُختلفةٌ
وكلٌّ يستخدمُ
اللغةَ الأمَ لآخرينَ
أفكِّر أحيانًا
هل هناك مدينةٌ أفضلُ للعيشِ فيها ؟
في المدينةِ التي أعيشُ فيها
إذا مدَدْتَ يديْكَ
سيأتيكَ أحدُهم على الأقلِّ
ويُمْسِكُ بها.
***
لا تصفيقَ
لم يعُدْ هناكَ تصفيقٌ في مجمُوعتي
فهذه الأيام لا أستطيعُ التصفيقَ لأيِّ شيءٍ
عندما أرى النَّاسَ من حَوْلي يُصفِّقُونَ
أظَلُّ عنيدًا قليلًا
أشعرُ بالذَّنبِ
أنظرُ إليهم في دهْشَةٍ
ومع ذلك كان هناك وقتٌ
كنتُ فيهِ أستطيعُ التصفيقَ كالآخرينِ
وذلك عندما كُنتُ أرى شيئًا جميلًا
يجعلُني أندهشُ
هل لأنَّني لا أرى الأشياءَ الجميلةَ
التي يراها الآخرون؟
أم لكلٍّ منَّا نصيبُهُ المُحدَّدُ من التصفيقِ
إذا أُنفقَ منهُ بإفراطٍ
سيُصْبحُ أحدُهُم مثلي
لا يرى شيئًا يستحقُّ التصفيقَ.
ليس لديَّ أيُّ إجابةٍ لذلك
وبما أنَّني لا أستطيعُ التصفيقَ
فالجميعُ يتجنَّبُني
هل يمكنُ لأحدِهم أن يُقْرِضَني بعضَ التصفيقاتِ
حتى أستطيعَ أن أُشتِّتَ نفسي
عن هذه الحالةِ البائسةِ لبِضْعةِ أيامٍ على الأقل.