وفي خط آخر مواز، تلتمع فكرة الثورة وخيباتها ومآلات أصحاب الأفكار والحالمين بالتغيير، وفي المقدمة الفلسطينيون الذين وصلوا الى تونس عقب خروجهم من بيروت عام 1982، وصولاً الى اندلاع الثورة التونسية.
وفي معظم أعمال الطويلة القصصية والروائية، يظل “المقهى” فضاء أساسياً، وبطلاً حاضراً، ولما لا، والكاتب نفسه من المولعين بالكتابة على طاولات المقاهي وعقد صداقات مع العابرين، ويتجلى ذلك في روايتيه السابقتين “ألعاب الهوى” و”أحمر خفيف”.
ويلجأ الكاتب في تقنية روايته الأخيرة الى عبق التراث من خلال تقسيمها الى “أبواب”، وهي أبواب مفتوحة على البشر والذكريات والمدن والهزائم والجسد وتحولاته.
وفي معظم نصوصه، ينحت الطويلة لغة خاصة به، آتية من التراث الشفهي الريفي وحكايات الأجداد، ومن طزاجة الواقع، يحافظ في نسجها على خصوصيتها وايقاعها الموسيقى، ومن هنا لا يتشابه نصه مع معظم ما يكتبه الآخرون من نصوص.
يقول الناقد هيثم حسين عن الرواية: مقهى “لمّة الأحباب” عالم مستقلّ بامتياز. عالم ينفتح على الدواخل، يستعرض الطويلة من خلاله علاقة البشر بالأمكنة، وتأثير تلك الأمكنة عليهم. يكون للمقهى تقاليده وطقوسه وأبوابه، وكل باب بدوره يفضي الى آخر.
وكأن المرء في متاهة من الأبواب، ما ان يخمن أنها تفتح مصاريعها وتشرعها له حتى تنغلق في وجهه، وتتكتّم على ما يجري خلفها. يذكر الطويلة أنه في المقاهي تسقط الحواجز، وأن هناك فرقا بين ثوار المقاهي وثوار المنافي.
ولا يكتفي صاحب “ألعاب الهوى” بوصف مقهى في مدينة تونس، بل يكون ذاك المقهى مثالا على غرابة المكان، ومركزا يتجمع أبطاله وشخوصه من مختلف الأماكن. كأن المقهى يتحول الى نقطة جذب واستقطاب، ما ان يعتاد عليه المرتادون حتى يكشف أسرارهم وشخصياتهم ويحتضن آلامهم وأحلامهم ويغدو لهم المقر الدائم، يسحرهم ويغويهم باستمرار.
لكل تفصيل في المقهى حكاية ولكل زبون تاريخ من الهزائم، وهو بتصميمه الغرائبي يسند التهالك البادي لدى مرتاديه، يروّح عنهم ويكون جسرا للتواصل بينهم. يكون مستنقعا وبحرا في الوقت نفسه، يصطاد فيه الرجال النساء وبالعكس. بائعات هوى يتربصن بالرجال من الشرق والغرب، يتوددن اليهم، يكسبن منهم ما يكسبنه ثمّ يرحلن الى آخرين في دورة لا تتوقّف، ورحلة نحو المال لا تهدأ”.