لم تسألْها عن مدينتها, وماذا تفعل هنا في هذا الشمال الشرقيّ البائس والمطعون؟ ولم تسألها عمّا وعمّنْ أتى بها إلى شمالنا الآمن والمغيّب؟
تعرفُ تفاصيل تلك المرأة مجازاً وحاضراً وسابقاً, وتعرفُ (فتحة حمص) حين تهبُّ صيفاً وشتاءً ومشاوير الفتيات والنسوة المرحات في شوارع مشجّرة وحدائق غنّاء, هذا ما تعرفُه عن هذه المرأة التي تحمل رائحة مدينتها, وكان يجب أنْ تكون في نفس الشارع والشجر والحديقة في هذا الوقت بالذات.
لكنْ مَنْ سيعيدُها إلى مهبط روحها؟ ومَنْ سيعيدُ شهداءها: الزوج والأخ والأب والجار؟.
المرأةُ – السوادُ تطرقُ باباً خشبيّاً منهاراً.. فمحلّاً خاوياً.. فشارعاً مزدحماً بالفراغ …فمدينةً غادرتْها الأرواحُ.
هل تقبلُ امرأةُ السواد منكَ: مرحباً بكِ يا مَنْ دخلتِ ذليلةً, فأقيمي بيننا كريمة المعشر, طيّبة رائحة الشهداء وهي تفورُ من يديك؟
……..
سألتُ الصبيّ الذي يرافقها وهو مهلهلُ الثياب والملامح والروح: من أين أنت؟ أجابني متقطّعاً ومشتاقاً: ح – م – ص – البياضة. لا أملك يا أيّها الصبيّ النقيّ ويا أمَّه إلا أنْ نقول: فيا ويلتاه علينا يا امرأة أتتنا: غريبة الوجه واليد واللسان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عبد اللطيف الحسينى
سوريا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خاص الكتابة