الوجه الآخر للرواية التاريخية.. قراءة في “ممالك الحب والنار” لأحمد الحلواني

ممالك الحب والنار
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

علي قطب

انتشرت في الفترة الأخيرة الرواية التاريخية التي تتخذ من الحضارة المصرية بفتراتها المتنوعة مادة درامية قادرة على التطويع لاستخلاص قيم إنسانية، وفي الوقت نفسه الارتباط باللحظة الحاضرة وكأن الماضي مرآة يقف أمامها الحاضر متسائلا عن هويته، ومن أبرز هذه الروايات المصرية “1919 لأحمد مراد، ولاد الناس لريم بسيوني، أوراق شمعون المصري لأسامة الشاذلي، ممالك الحب والنار لأحمد الحلواني”

هذه ظاهرة إيجابية بكل المقاييس مهما كانت ثغراتها وما تثيره من قضايا بخاصة الالتزام التاريخي أو مجاوزة الوقائع القديمة والسماح للمتخيل بالانطلاق في فضاء الدراما، فالحضارة المصرية هي التي أسست صرح نجيب محفوظ مترجما ثم مبدعا في ثلاثيته المصرية الأولى وبعدها روايته العائش في الحقيقة، كذلك الحال مع محمد سعيد العريان في روايتيه قطر الندى وعلى باب زويلة، وعلى أحمد باكثير في رواية وإسلاماه، ومازالت هناك مناطق ثرية كثيرة في تراثنا المصري يمكن أن يمنح الأدباء مادة طيعة للتشكيل واكتشاف الذات الفردية والجماعية.

نجح أحمد الحلواني في اختيار أجواء عاكسة لخريطة المنطقة اليوم بعد أن حدد فترة الشدة المستنصرية في العصر الفاطمي كظاهرة تاريخية تصور معاناة الشخصية المصرية المستنيرة في ظروف تواجه فيها البلاد خطر تحويل منابع النيل في الحبشة ومرتزقة قادمون من الغرب والشرق يجدون من يمولهم ويدعمهم حتى تنتهي هذه الشدة على يد بدر الجمالي –  الذي ينسب إليه حي نجيب محفوظ الشهير – حين يعتمد هذا القائد على العنصر المصري في جيشه فيجتاز الأزمة التي تنتهي مع السطور الأخيرة للرواية لحظة أن يعبر أحد أبطالها المصريين عن انتمائه لوطنه مهما كان مذهب من يقصد هذا الوطن بسوء، فكانت الرواية مستحضرة للتاريخ بوصفة الوجه الآخر للحاضر بدرجة ما، وكأن هذا التاريخ يسير في خطين معا: الخط الأول تطوري تتابعي والخط الثاني دائري يكرر بعض سماته حين تظهر صفات ما كانت متنحية في فترات أخرى.

في الرواية مجموعة من القيم الإيجابية من حيث التشكيل والدلالة، فلقد حرص الحلواني على تقديم كثير من المعلومات التاريخية بشكل تصويري أو حواري فأكسب الرواية قدرا من الحيوية الدرامية، وإن كان قد جانبه السبيل في بعض المواقف الصغيرة حين كان يعرض المعلومة بأسلوب المؤرخين، ربما لاعتماده على مصادر متخصصة ولكن الخطاب في المراجع التاريخية لا يكون موفقا إذا انتقل كما هو للسرد الروائي، كذلك استخدم الحلواني سياقات حوارية متعددة تكشف شخصياته سواء أكانت مستقاة من التاريخ الفاطمي أم أضافها الخيال لتفعيل صراعات عاطفية واجتماعية ونفسية وإن كانت بعض الحوارات تبدو كأنها لغة شبه إعلامية معاصرة فتفقد القارئ أحيانا قليلة الشعور بالأجواء الحيوية التاريخية كما يمكن أن نتخيلها.

الرواية صادرة عن دار العين في 244 صفحة من القطع المتوسط بغلاف لعبد الرحمن الصواف دلال على العنوان وموضوع الرواية فغلب عليه اللون الأحمر وحرص علي محاكاة الشخصيات التاريخية، وتتكون الرواية من 13 فصلا لعلها مقصودة هكذا لتناسب فترة الشدة وما فيها من أجواء تشائمية تغلبت مصر عليها بالشخصيات النابعة من صعيدها والمحافظة على قيم الصداقة والتعلم والأخلاص للهوية.    

  

 

مقالات من نفس القسم