حسني حسن
أضغاث حُلم
نُزولًا نزولًا
من سُدة الحُلم
لمرجِ الانتصارِ المُتوج بالدم
وإناثُ الوحوشِ المُغتلِمة
كواسِرُ الغيْم
تنشبُ براثنَها في لحمِ الروحِ
الحي
وحدُها والدجاجات
هنالك
عند مروج الذاكرة البعيدة
راحت تجلس وحيدة
مغمورة بضوء شمس شتاء رحيم
تُطعِم دجاجاتها الغبية
حُباً وصلوات
فلا تلتقط مناقيرها الحادة
إلا الفتات
فلماذا هي غبية
على هذا النحو المشين
مخلوقاتك الطيبة
أيها الرب؟
وكيف صبَرتْ السماء
على هذا الغباء
لفصول السنة الأربعة؟
أو كيف واصلتْ شمسُك الضجِرة
دورانها اللاهي
حول قلبك المخبوء
في مكان لا وجود له
بمركز كون
لا حدود له
وفاءً بقصدٍ
لا قصد له؟
أمْ لعلها سقطتْ مرَة
من أطرافِ المجرَة
لتسكن حِجرها الدافئ
تلك التي كانت تجلس وحيدة
تُلِقم دجاجاتها الغبية
ديانة الحُب
والانتظار الطويل؟
جنَةٌ
فوق إفريز شرفتي الصغيرة
أرعى أصص ورودي الحمراء
وحفنة من عصافير عابرة
تتنزل على أرضي المحررة
كما الحلم الشفقي المراوغ
تلتقط حبات شعيري
وترشف قطرات مائي المُحلَى بسكر الوحدة
وهكذا أخلق جنتي الخصوصية
تلك التي
لا مكان فيها لحور العين
ولا لأنهار العسل واللبن
تلك التي
تمتد في الفضاء الضيق الحميم
ما بين صالة البيت وشرفته
رِفقة كتاب لا يقرأه أحدٌ غيري
لكاتبٍ لم يسمع باسمه أحدٌ غيري
وموسيقى خافتة
تترجع في ذاكرة صباحٍ يُشبه الأصيل
وبعض عويل
تطلقه امرأة مكلومة
يمضي بها جِنازٌ صامت
صوب مقبرة الحب
حيث يُتقن الموتى فنون
دفن الموت
لكن الصوت
يظل يلاحقني
يجرح هواء جنتي الشفاف
ولا أخاف
فعلى امتداد ذراعي اليابستين
تبقى هنالك جنتي الصغيرة
ورودي الحمراء
وعصافير الصباح
والظهيرة
خياميات
1
لا أسأم رفقتك
أيها الساقي النشوان
فدعنا نعبُ منها عبَاً
برجاءِ الصحوِ
والنسيان
2
قد أثابوك
فما قدَروك حقَ قدْرك
ولمَا كان النهارُ قصيراً
فلتستعصمْ بليلٍ لا آخر له
يلفُ الروحَ
لفَ سوارٍ حول مِعصم
ورِفقة كأس جمشيد
قبِل النارجيلةَ والمَبسم
قد أثابوك
ثُم لجمْرٍ مشتعلٍ
رموك
فلا تحفل بأشجارِ الغابة
لا ورودها ولا العُشب
فكلُ زهرةٍ
مثلك وحيدة
كلُ ورقةٍ بغصن شجرة
تغفو ساعات نهارها
الثقيلة
مفتوحةَ العينين بانتظار رحمة الليل
ليلٌ يحيط بيأسها والأمل
كسوارٍ يُشبه مِعصماً
3
واقترب الثرى
آهٍ
ما أطيب رائحة طينك المخضل بالمجهول
ليست إلا نزهة أخرى
بتذكرة ذهابٍ دون رد
أم لعلها إلى عود
وما عليك إلا أن تُفسحَ
لديدانك التريليونية الغافية
ممراً للصعود إلى التراب
فلم التشكِي والعذاب
وكلُ ذهابٍ بعضُ إياب؟
4
من كأسِ العينين المكحولتين
تثمل أيها المُغني
حين ينسكب السحرُ المقدس الحرام
ويعزُ على أجفانك المنام
فتأخذ قصبة نايك القديم
وتستعيد
نغمةَ النشيد
أيها الواحد الوحيد
5
أعرف أنك
قد سأمتَ رِفقتي
أيها الساقي المكدود
وأن رحى الزمنِ العقيم
قد تبلو حتى شيخي الرحيم
بشئ من الضجر
والجحود
لكن كأسك هذي الأخيرة
هي
غاية ما أرجو في الوجود
دُخانٌ
لا تعرف من الأبدية
غير هذه الساعة التي تُهدِرها الآن
وأنت تحلمُ بالخلود
فهل من خلودٍ تطمح إليه الفراشات؟
هل من حقولٍ سماويةٍ بعيدة
تصبو إليها ديدان الأرض المروية
بعرق الفلاحين؟
وهل من بَعْد كل بَعْد ما هو بَعْد؟
أمْ تُراه الطريق
وهمُ سيرٍ
وساعاتُ ضِيق؟
دُخانٌ دُخان
وأخيلةُ حريق؟
صَومُ زكريا
فعمَا قريب
سترتجُ جُدرانُ الهَيكلِ
ويأتيكُ المَلاكُ بالبِشارة
يا زكريا الطاعن في الخَيبة
يا عبدَ الرجاءِ المستحيل
فزوجُك العاقرُ
وحين يتغشَاها ظلُ الإله
ستُعاوِد أرضَها البورَ
الحَياة
لكن ما أفدحَ الثمن
ومِن وراءِ الصيامِ والقيام
تبقى نُذورُ الصمتِ والخَرْس
فلا يخدَعنك صَليلُ الجَرس
فرأسُ المِعمدان بانتظارِ رقصِ الجميلة
وسُيوفُ المنونِ مُشهَرةٌ
بأيدي الحَرس
وهذا الموتُ الرَخيص
رِهانُ المشيئةِ على الخَلاص
الموتُ انهزامُ العَدم
فإياكَ إياك
والنَدم
يوسفُ والسِكين
فلتتمهلْ قليلاَ
أيها الزمان المسافر للأبد
ولتجلسْ ساعةً
عند بابي المفتوحِ على السهبِ
كي أغسلَ لك
قدميك المعفَرتين بترابِ الأيام
وأُعِدَ لك متكأ
وأحشرَكَ بين نسوةِ المدينة الحالمات
ولأنَ يوسف لنَ يجيء ثانيةً
فلتكنْ أنت يوسفَ والسِكين
تفتنُهن
ويغشي جمالُك أبصارَهن
فيقطِعنْ أصابعَ تواقةً للعشقِ
بأنصالٍ مِن شبقٍ مكبوح
ولو ضد مشيئة الإله
أو العزيز
فلتتمهلْ أيها الزمان المخمور
بأشواقِ الذهاب
ولتصدعْ لمرةٍ واحدة
مرةٍ واحدةٍ لا أكثر
لحزنِ رباتِ الجمال الثكالى
ثم وفي الصباحِ الدامس
في غَبشِ الفجرِ الوليد
فلتعاودْ رحيلَك
للبعيد
ولترفقْني بك
زفرةَ وجعٍ
إقلاعٌ
توَد لو تستطيع الإقلاع عن تلك العادة السيئة
الحياة
لو تقايضها بشيء أبقى منها
وأجمل
لكن هل من شيء في هذا الوجود
يُكافئ رفَة جناحي فراشة عند حافة الحقل؟
نظرة استفهام وليدة بعيني الحفيدة؟
ارتعاش جلدك العجوز برذاذ الصنبور البارد
في صباح شتوي موهوب للوحدة؟
مذاق لحم زيتونة خضراء يُنضجه الملح
مرفوقاً برشفات الشاي الأسود المغلي
وذكريات من راحوا في الصمت
أو في الغناء؟
قرآن المغرب بصوت الشيخ رفعت؟
عِناق الحبيبة التي ودَعت أيامك لتسكن في الأحزان الشفيفة؟
مقعدٌ بعيد مهجور عند شرفة مقهى بحري قديم؟
أو ربما
مجرد جارٍ في الترام
يُزجيك بصمتٍ وقور
هزة رأسٍ بسيطة
والسلام؟!