لا أستطيع أيضاَ تذكر مدى بدأ اهتمامي بما يكتبه خير، ولكني متأكد من أنني صرت شغوفاً بما يكتب، ويتساوى في هذا، وبدون مبالغة، ما يصدره من كتب، وما يكتبه على صفحته في “فيسبوك”. هو من نمط الكتَّاب الذين يملكون قدرة كبيرة على تحويل العالم إلى أفكار، لفرط بساطتها تندهش من أنك لم تسبقه إليها، ولكن هو من كتبها، وصارت مرتبطة به. الأمر يشبه تلك المقولات الرائعة التيي نقرؤها لكتاب مشاهير. نعم.. تستطيع أن تكتب مثلها، ولكنهم سبقوك إليها، لأن بديهتهم حاضرة. يكون خير ساخراً أحياناً، وجاداً أغلب الوقت، وهو يقبل الاختلاف تماماً مع تلك الأفكار التي يكتبها، ولكنه أيضاً لا يقبل بجرح صورته، كما رسمها لنفسه، أو كما قررها. هو شخص ديكتاتور بامتياز على صفحته، كما اعترف لي.
كان محمد خير جاري في المعادي، نسكن في برجين متقابلين، وكان يحدث أن نلتقي مصادفة في المدخل الوحيد لهما، أو يدعوني إلى شقته. كان انطباعي الدائم عنه أنه شخص مُطارد من شىء ما، وأنت ستنسى، في لحظة، قدرته الرهيبة على الحكي، والخروج من موضوع للدخول إلى آخر، لتتذكر أنه دائماً يريد أن تتركه ليذهب في سبيله. هناك شىء ما يقلقه طوال الوقت، أو كأن حبيبة في انتظاره وهو يريد أن يتركك لينطلق إليها، وهو أيضاً يعطيك إحساساً دائماً، بشعره الهائش، إلا فيما ندر، وعينيه اللتين لا تثبتان على شىء، من خلف نظارته الطبية، بالتهالك، كأنه يعمل في “الفاعل”. سيجعلك خير تشعر في لحظة بأنك الأقرب إلى قلبه، ولكنه سيغادرك فجأة وكأنه “زهق” تماماً من وجودك، ولكن لأنك تعرفه جيداً، ستتذكر فوراً تلك النداهة التي تسحبه بخيطها اللامرئي من بعيد.
خير مسكون بالفن، أثناء كتابته رواية “سماء أقرب” ولمدة أسبوعين كان ينزل إلى الشارع ويغمض عيناً، كان الأمر صعباً جداً فى البداية ولكنه اعتاده، كانت رقبته تؤلمه، لأنه يحركها باستمرار ليحصل على رؤية بعيدة، كما قال لي. عرف مقاييس تلك الرؤية، وتأثير إغلاق العين على الطريقة التى تدمع بها رفيقتها، وهكذا صاغ شخصية مازن. ستدرك في لحظة أن اسم خير يكفي على العمل لتعرف أنك ستجد ما يروقك، وستعود إلى كل أعماله الأخرى، وستنسى فكرتك الأقرب إلى المراهقة عن ضرورة التركيز في نوع واحد. ستقرأ “بارانويا” و” ليل خارجي” بنفس شغفك بـ”هدايا الوحدة”، و”عفاريت الراديو”، وأيضاً ستشعر بأنك هناك ما ينقصك لو غاب خير طويلاً عن الفيسبوك كما سبق وفعلها بعد مغادرة صديقه الأقرب هاني درويش.