الكاتبة الكندية الشهيرة أليس مونرو: وداعا للكتابة

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

 

شارل ماكغراث      ترجمة: أحمد فاضل

وهي تتسلم جائزة أدبية رفيعة في تورنتو الشهر الماضي عن مجمل أعمالها القصصية القصيرة ، قالت عنها سينثيا أوزسك إحدى عضوات هذه الجائزة :

- لدينا هنا في أمريكا الشمالية تشيخوف أيضا أيتها السيدات أيها السادة ، هي قيمة كبيرة في حياتنا الأدبية، وعلى مدى عمرها الطويل كانت سباقة في أن تجعلنا نسوح في أفكارها وشخصيات قصصها ورواياتها ، لهذا كله فهي تستحق منا كل تقدير.

أما هيئة منح جائزة بوكر الدولية فقد قالوا عنها وهي تتسلم هذه الجائزة في عام 2009 :

- إنها مؤهلة فعلا لتسلم هذه الجائزة بجدارة .

 

أليس مونرو الكاتبة الكندية الشهيرة التي ستبلغ من العمر 82 عاما الأسبوع المقبل وهي تلتقي صحيفة غلوب أند مايل واسعة الانتشار في  تورنتو بكندا قالت عن نفسها :

– أنا لا أعرف إن كانت لدي الطاقة للاستمرار بالكتابة بعد الآن .

ثم عادت لتؤكد للصحيفة :

– الأرجح أنني لا أريد أن أكتب بعد الآن

هذا القول كانت قد قالته أيضا في العام 2006 ثم ذهبت بعد ذلك لتنشر 14 رواية وقصة آخرها كانت رواية ” الحياة العزيزة ” التي صدرت في الخريف الماضي ،  لوحظ فيها تعاملها بعين ثاقبة مجملا من المواضيع الحساسة مثل كآبة الحياة في بلدة صغيرة ، السلطة ، الجنس ، وعناء النساء وهن يسلكن طريقهن في عالم يديره الرجال .

 بعد قراءتنا للخبر ذهبت صحبة المصور إيان وليامز للالتقاء بها في هورون بأونتاريو بكندا حيث تقيم بعد أخذنا موعدا مسبقا معها فوجدتها تجلس في الشرفة الخلفية لمنزلها الذي يقع على حافة البلدة الصغيرة وقد ارتدت سروالا مصنوع من القطن ، وعندما كانت تضع يديها عليه بان لون أزرق متوهج على أظافرها وبدت مسترخية وأكثر بهجة من ذي قبل وقد بادرتني بقولها بعد أن وجدتها تنعم بهذه الراحة التامة :

– لن يكون هناك المزيد من الكتب بعد رواية ” الحياة العزيزة ” التي ستكون الأخيرة لي ، التقاعد هو الخيار الأخير الذي أرق من قبل كتابا كبار مثل توماس هاردي وسول بيلو اللذان حافظا على الكتابة حتى النهاية على الرغم من جميع الصعوبات التي واجهتهم ، وهناك آخرون مثل بروست ، ديكنز ، بلزاك الذي توفي قبل آوانه وقد يكون لاعتزال مارغريت درابل الكتابة عام 2009 تأثيره القوي علي ، لكن فيليب روث الذي ودع الكتابة في الخريف الماضي بعد بلوغه الثمانين من العمر كان الوحيد الذي شجعني على اتخاذ قرار التقاعد هذا الذي أبدو به سعيدة للغاية .

في عام 2009 كشفت السيدة مونرو كيف أنها خضعت لعملية جراحية في الشريان التاجي ثم تعافت من مرض السرطان هو الآخر ، هي الآن في حالة صحية جيدة أو بالأحرى ليست سيئة للغاية كما تقول مع أنها كانت قد تعرضت في نيسان من هذا العام برحيل ثاني أزواجها الذي كانت تعتمد عليه جدا في حياتها ومنذ ذلك الحين قالت إنها أصبحت أكثر ميلا للاختلاط بالناس وقبول دعواتهم وأفعل أشياء هادفة جدا لهم  .

السيدة مونرو التي كانت تشتهر بالابتعاد عن الأضواء ، خجولة الصفات ، تتبع ربما جزءا من الطراز القديم للحياة الكندية في حياتها ، مع القليل من الحذر في مقابلاتها الصحفية التي تقول عنها:

– إنهم لايعرفون مدى شعوري بالحرج في مقابلاتهم تلك ، وأنها ليست من ذلك النوع من الحياة التي يبحث عنها الإعلام بحسب قولها.

عندما كان عمرها 14 عاما ، قالت السيدة مونرو أنها كانت تعرف تماما كم تريد أن تكون كاتبة  ، لكنها لم تعلن رغبتها تلك بسبب أن أحدا في كندا لن يلتفت إليها ربما لأنها امرأة ، تابعت مسيرتها بعدئذ بكثير من الانضباط حتى زواجها من جيمس مونرو الذي شجعها كثيرا على الكتابة على الرغم من عدم اعتراف الكثير من النقاد بما كانت تنشره في الصحافة الكندية ، وجاءت أول مجموعة قصصية لها في عام 1968 عندما كان عمرها 37 عاما لتجلب الانتباه لها ، لكن هذه المرة في خارج كندا ما حدى برئيس تحرير مجلة نيويوركر الأدبية الشهيرة عام 1970 أن يفرد لها مكانا في مجلته لتنشر فيها قصصها القصيرة التي أشاد بها الكثير من القراء والنقاد.

رسخت مونرو شهرتها بعد ذلك عندما أصدرت مجاميعها القصصية الخامسة والسادسة ” أقمار كوكب المشتري ” عام 1982 و ” الاقتراب من الحب ” عام 1968 ، حيث أظهرت فيهما رفضها الأسلوب التقليدي المتعارف عليه في القصة القصيرة ابتداءا من وسطها وأحيانا في صعودها البطيئ حتى نهايتها ، حيث قالت عنها مواطنتها الروائية مارغريت آتوود ” :

– ذلك ما أسميه بالأسلوب القداسي الذي يمنح السرد روحا متجددة تؤمن بالتغيير نحو الأفضل .

منزل السيدة مونرو يتألف من طابق واحد وطرازه على شاكلة العمران المعروف بالقرن  التاسع عشر ، حيث بني في وقت متأخر منه ويقع على شارع مغلق بالقرب منه تقع سكة حديد قديمة طلبت من المصور المرافق لي أن نصورها هناك وهذا ما حصل لأن تلك السكة تذكرها بشبابها ، نشأتها بدأت في ذلك البيت وشجرة الجوز التي زرعتها وسط حديقته الكبيرة تقارب عمرها الآن ، في فناءه الخارجي منحوتات غريبة الأطوار تقع بالقرب من حوض السباحة الكبير حيث يفضي ذلك الفناء إلى غرفة الطعام المميزة بصورة للملكة فيكتوريا التي تعجب بها كثيرا ، هذه الغرفة اتخذت مونرو زاوية منها كمكتب لها لمزاولة الكتابة يقع أمام نافتها المطلة على حوض السباحة ، وقد اعتبرته بديلا عن غرفة مكتبتها في وقت متأخر بسبب التغيير ليس إلا ، مع أن غرفة مكتبتها سبقت وشهدت ولادة العديد من أعمالها القصصية والروائية المعروفة.

عن ذلك البيت تحدثت لنا مونرو وقد تغيرت سحنتها مع كل كلمة كانت تقولها عنه :

– بالنسبة لي إنه المكان الأكثر إثارة للاهتمام في حياتي ، المكان بالنسبة للكاتب وثيقة تؤرخ ذكرياته ، أحلامه ، طموحه ، كل زاوية فيه تذكره بالذي نساه في حياته ، وعلى الرغم من أن مقاطعة هورون التي أقطن فيها في أونتاريو قد تغيرت كثيرا منذ بدأت الكتابة فقد أصبح الناس أكثر وعيا بسبب التطور الذي أصابها وأعتقد أن الذي كتبته منذ عقود لا يمكنني كتابته الآن لذاك السبب وأشعر بأنني قد فعلت ما أردت القيام به وهذا يجعلني أشعر بمحتواها الجيد إلى حد ما .

ومع وداعنا لها وجدناها تنظر ثانية لسكة الحديد وكأنها تقول لنا إن قطار العمر ذهب ولن يعود.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

شارل ماكغراث – المحرر الأدبي في نيويورك تايمز

تصوير: إيان وليامز مصور الصحيفة

نشر المقال  بتاريخ:  1 يوليو 2013

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أحمد فاضل

مترجم وناقد – العراق

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

خاص الكتابة

مقالات من نفس القسم