حاورته: أميمة إيلبو
محمد خلفوف. كاتب مغربي . حاصل على الماجستير في الآداب، و يحضر لرسالة الدكتوراه في الرواية المغربية حاليا. نشر العديد من القصص و القصائد و الترجمات… و ترجمت نصوصه إلى لغات مختلفة.
ـ كيف بدأتْ حكايتك مع الكتابة؟
ـ بدأتْ حكايتي مع الكتابة مبكرا: والدتي علمتني كتابة الحروف والكلمات، بالعربية و الفرنسية، في سن مبكر… كانت تقرأ لي الكتب ، كيفما كان نوعها… والدي أيضا كان يملك الكثير من الكتب. كان كلاسيكيا يحب عنترة ، و المتنبي، و العقاد، و طه حسين،ونجيب محفوظ… أما والدتي فكانت تحب محمود درويش، و غسان كنفاني، و إحسان عبد القدوس… كانت تريد أن تسميتي ” عبد القدوس” تيمنا به… لقد كبرت وسط الكتب و الأوراق، و الأقلام… وتعلمت الكتابة على الآلة الكاتبة في سن السادسة… كانت الكتابة تشكل عالمي. في وقت مبكر وجدت نفسي أقرأ كل شيء تقريبا: الأدب، المقالات الصحفية، كتب الطبخ، القرآن، دليل الهاتف، الكتب المدرسية، الكتب الدينية… هكذا وجدت نفسي أمسك القلم و أكتب. لقد كبرت الكتابة مثل شجرة بداخلي .
ـ ما الذي يجعلك تكتب يا محمد؟ لماذا تود أن تكتب؟ وهل يمكن أن يعتبرك القارئ ككاتب ملتزم بقضية معينة أم أنك تكتب للإنسان عموما؟
ـ أكتب لأنني وحيد، لطالما شعرت بنفسي وحيدا في هذا العالم.. أكتب ليس لكي أحرر نفسي من وحدتي و حزني و ألمي… و لكن لأعمق إحساسي بالوحدة أكثر فأكثر… أنا لست كاتبا ملتزما، بدأت كذلك، كنت أكتب بأسلوب ثوري، كتبت الكثير من النصوص الثورية البليدة.. لكنني اكتشفت بأنني أخدع نفسي هكذا. عندما قرأت لزفزاف أول مرة: عرفت أنه يمكن الكتابة عن كل شيء انطلاقا من الذات و من الإنسان… أن أكتب لكي تصل كلماتي إلى الآخرين مثلما وصلت كلمات الآخرين إليّ… هذا هدفي من الكتابة.
ـ ما الذي يخيفك ككاتب؟
ـ أن لا يصل صوتي إلى الآخرين. خصوصا إذا كان هذا الإقصاء متعمدا، لأسباب كثيرة ، أو لأن الناس لا يفهمون ما أكتبه أو أبدو لهم غريبا… إنها الصرخة التي قتلت فرانز كافكا… هذا أكثر شيء يخيفني، لأن الأدب يحتاج إلى تفاعل بين الكاتب و القارئ، المتلقي… كيفما كان هذا المتلقي.. إذا انعدم هذا التفاعل فلا جدوى من الكتابة.
ـ هل تستطيع أن تكتب لنفسك يا محمد ؟ لماذا كل هذا الاهتمام بالقارئ؟
ـ المسألة صعبة للغاية ، الكتاب، و الفنانون عموما أشخاص نرجسيون… إذا تم تجريد الأدب من القراء ، و الجوائز، و النشر، و المبيعات، و النقد الأدبي… فسيختل المشهد. كما أن قلة الاهتمام، أو إنعدامه، تحبط الكاتب… لم يتحمل كاتب يعمل بجد وشغف علة نصوصه… و في النهاية لا يجد من يقرأها ، أو ينشرها، أو يقدم حولها نقدا… سيكون الأمر قاتلا. الرفض أشد من القتل… إنه قتل أيضا و لكن بطريقة أخرى. الكتابة للنفس مهمة ، و لكنها مستحيلة.
ـ هل يمكنك أن تكتب في لحظات الإنكسار؟
ـ تلك هي أنسب اللحظات للكتابة. الإنسان يكون على حقيقته الصافية لحظة الإنكسار… أنا أكتب باستمرار في لحظات الإنكسار، كل نصوصي كتبتها منكسرا، أبكي، مكتئبا، حتى أنني حاولت الإنتحار بعد كتابتي لعدة نصوص… الإنكسار صعب، و الكاتب كائن حساس، تظهر مشاعره هذه في نصوصه. الكثير من الكتاب يخجلون من إظهار حزنهم و إنكسارتهم في نصوصهم، لكنني لا أفعل، رغم أنني عوتبت على هذا… لكن لا يهم. على الكاتب أن يكتب في حميع الحالات، في حالاته الجيدة، وفي حالاته السيئة… بل قد تكون الحالات السيئة أنسب حالات الإبداع.
ـ ما الفرق بين محمد الكاتب و محمد الإنسان؟
ـ لا فرق، انهما نفس الشخص. محمد الإنسان هو الذي يوجه محمد الكاتب… أنا طفل صغير يكتب بآمال كبيرة.
ـ ما هي الأشياء التي تلهمك للكتابة؟ غير الإنكسار، ما الذي يلهمك حقا؟
ـ الكثير من الأشياء : الأعمال الأدبية، الموسيقى ، الأفلام، الطبخ، الرسوم المتحركة… الحياة بكل تفاصيلها و تعقيداتها و غرابتها… تلهمني للكتابة.
ـ ما أكثر إنسان أثر فيك ككاتب؟
ـ الكثيرون: محمد زفزاف، معلمي الذي تعلمت منه الكثير، و الذي أعده أهم الكتاب العالميين… صنع الله إبراهيم، عالية ممدوح، محمود درويش، إبراهيم أصلان، كافكا، موراكامي، غونتر غراس، سعود السنعوسي، عبد الرحمن منيف ، ريم غنايم، فرجينيا وولف، منصورة عز الدين، أسماء عزايزة، لطيفة باقا… هنالك الكثيرون. هذا على المستوى الأدبي. أما على المستوى الشخصي: أمي، الكائن الأقرب إلى قلبي. أمي بالنسبة لي هي مصدر الإلهام الأول، إنها حاضرة في جميع نصوصي تقريبا… أنا مدين لها بالكثير.
ـ ثمة نصوص تولد فينا حين نقرأ أدبا حقيقيا، من هو الكاتب الذي يولد فيك الرغبة في الكتابة؟
ـ الكثيرون… النص القوي هو الذي يولد فيك حرارة السؤال لأجل الكتابة.
ـ ما الذي يخيف محمد الإنسان بعيدا عن الكتابة؟
ـ أن أموت دون أن أحقق أحلامي الكبيرة…
ـ ما الشيء الذي لا تستطيع مغفرته باعتبارك كاتبا و إنسانا؟
ـ تدمير و سرقة أحلام الآخرين. فرجينيا وولف تقول: ” إن الذي يسرق أحلامنا يسرق حياتنا.”.
ـ ما الذي تحب الكتابة عنه و لماذا؟ و ما الشيء الذي تشعر أنه بحاجة لمزيد من التطور؟ و ما مكامن ضعفك و قوتك؟
ـ أرغب في الكتابة عن كل شيء، خصوصا عن المشاعر الإنسانية: الحب، الموت، الفقدان، الوحدة، الشعور بالرفض، الأحلام، المخاوف، الإنتحار… أحب الكتابة عن هذه الأشياء، لأنها تجعلني مستريحا في الكتابة، الأشياء الإنسانية و الذاتية، هذا ما يجعل الكثير يرونني كاتبا سوداويا ، حتى أن مترجمة إيرانية سمتني : ” كافكا المغربي”، لكنني على العكس من ذلك، أنا شخص محب للحياة… و لكن التجارب القاسية التي عشتها جعلتني هكذا . لذلك فأنا ممتن لها لأنها تمدني بطاقة الكتابة. أما بخصوص مكامن الضعف و القوة فأنا ما زلت في البداية لكي أقول أنني كاتب جيد أو قوي، لديّ أشياء جيدة و قوية في نصوصي، لكنني أحب التطوير من نفسي مع كل نص أكتبه، خصوصا على مستوى اللغة، لأنها مسألة حساسة بالنسبة لي في الكتابة.
ـ ما الذي تفكر في إضافته لأدبك مع الوقت؟
ـ هنالك أشياء تنضاف من تلقاء نفسها مع الوقت، لا أستطيح التحديد، لأن المسألة رهينة بالرؤية التي تتغير بإستمرار… لكنني أفكر في مسألة تشغلني كثيرا: أريد من خلال ما أكتبه أن أشم الصور، و أرى الأصوات، و أسمع الروائح… أريد أن أصل إلى عمق الأشياء من خلال ما أكتبه.
ـ بماذا يتميز أسلوبك في الكتابة يا محمد؟
ـ أنا لا أستطيع تقييم نصوصي أو نقدها… هذه وظيفة النقد. و لكن إذا أردت الحديث عن ما يميز أسلوبي سأقول: أنني أحب الكتابة عن ما هو ذاتي، أنا ذاتي حد التطرف.. ثم إنني أحب الكتابة عن التفاصيل، و أحب الحفر بعمق في الذات البشرية من خلال الكتابة… أفعل هذا من خلال القصة القصيرة، لأنها فن ذو خصوصية، و تحتاج تعاملا خاصا.
ـ ما الذي يثيرك بخصوص العمق النفسي؟ ما الذي يبحث عنه محمد خلفوف في محاولة لفك شيفرة الذات الإنسانية؟
ـ العمق بالنسبة لي هو الحفر، و البحث عن أقصى نقطة في الذات البشرية، كيفما كانت هذه الذات، و بمختلف مكوناتها الثقافية و الاجتماعية و الدينية و الإيديولوجية… أنا أشبه الحفار ، أو الأركيولوجي الذي يحفر عميقا في الأرض ليصل إلى معدن ما، قد يجده، و قد لا يجده… لكن الأهم هو عملية الحفر. الكتابة بالنسبة لي حفر هي عملية حفر، و محاولة للإجابة عن الأسئلة، و رحلة بحث عن الإختلاف.
ـ ما هو الجنس الأدبي الذي يلهمك أكثر للكتابة؟
ـ كل الأجناس، لست منحازا لجنس على حساب آخر، سواء على مستوى القراءة أو الكتابة… لكنني ميال أكثر للقصة القصيرة.. أحب كتابة القصة القصيرة كثيرا.
ـ هل تؤمن بأن الكتابة عمل يأتي من تلقاء نفسه، أم أنه عليك ممارسته بشكل اعتيادي و حسب جدول مظبوط؟
ـ على حسب، ولكن المواظبة أهم، و العمل وفق جدول محدد… الكتابة مسألة إنظباط. أحب نظرية نجيب محفوظ في الكتابة: أن تكون موظفا لدى الكتابة ، أن تعمل على نصوصك بحب و شغف… وانظباط أيضا، لأن الكتابة لا تحب الكاتب الكسول.
ـ كيف يكون الكاتب كاتبا حقيقيا من وجهة نظرك؟
ـ عندما يكتب من منطلق إنساني، وعندما يكون صادقا من خلال ما يكتب… والأهم أن يكون واعيا بأدواته الفنية، والجنس الأدبي الذي يكتب فيه، وأن يكون واعيا بوظيفة الكتابة… وهذه عملية صعبة و معقدة و طويلة…
ـ هل تحلم بالنص ” الكامل ” يا محمد؟ هل في نظرك يمكن الوصول إليه؟
ـ نعم أحلم به، و مع كل نص أكتبه أقول إنني سأكتب نصي الكامل، أو “رائعتي”… لكن هذا لا يحصل، ولن يحصل، لأنه لا وجود لنص كامل… أنا متأكد إن كنا سألنا شكسبير عن رأيه في رائعته هاملت سيقول أنه غير راض عنها… رغم أنها من روائع المسرح العالمي. النص الكامل حلم كل كاتب، إنه الجنة المفقودة.
ـ هل يمكن أن تحدثني عن وضع الساحة الأدبية في العالم العربي ، مع التركيز على الوضع في المغرب؟
ـ أتابع منذ سنوات الوضع الأدبي في العالم العربي، منذ ما بعد حركات الربيع العربي… هنالك تطور كبير في القصة و الرواية و الشعر و الترجمة… هنالك أسماء مهمة و تكتب عن وعي… أما في ما يخص الأدب في المغرب: بالتأكيد الأدب المغربي مزدهر، و هنالك أسماء بارزة على الساحة، لكنني لا أستطيع أن أقول رأيي بإنصاف، لأنني لا أعتبر نفسي كاتبا مغربيا بعد، فأنا لست منخرطا في الوسط الثقافي المغربي… لأسباب كثيرة… أنا بعيد و مُبعد… لكن الوضع الثقافي في المغربي مزدهر و يقدم الكثير من الأسماء الأدبية الجيدة و القوية.