هذا بالنسبة لماهو عام ويهمُ كل من لم ينضبْ ضميره، بالطبع فإن لكل امرئ أمنية شخصية قد لا تشغله عما هو مطلب للجميع، أكثر من ذلك قبل وداع العام الذي نعيش في لحظاته الأخيرة يحتمُ الموقفُ كجاري العادة إستعادة ماعشناه وما أضفناه إلى حياتنا ومابقي قيد الأُمنيات حتى الآن،الأمر الذي يختلفُ من شخص إلى آخر وفقاً لسلم الاهتمامات، ولايوجدُ من يتحاشي جرد حساباته ويتغافل مهمة مساءلة الذات، وإذا فتشتُ عما شغلنى خلال هذه السنة وما وضعتُه في مقدمة إهتماماتي لا أرى شيأً شغلنى أكثر من الكتب والقراءة، لكن ربما يسألُ سائل ما جديدك في هذا المجال، ماذا اكتشفت في مجاهل القراءة؟ هل اكتفيت بالعناوين يكتبُ عنها غيرُك ومشيت وراء اختيارات الآخرين أو تحريت عن دروب جديدة وغامرت بقراءة عناوين من اختياراتك، وماذا أضافت لك الشبكة العنكبوتية على صعيد القراءة بما هي كون موازِ يموجُ بالمكتبات؟ طبعاً القراءة تفتح لك أفقاً لصداقات جديدة، إذ تستفيدُ من خبرة من قضى عمراً أكثر في عالم الكُتب، إذاً فالقراءة تنقيب لطبقات فكرية مجهولة ومحاولة للخروج من أسر الرؤية الأُحادية بمزيد من المحاورة مع أفكار مُغايرة، ومُعاينة عوالم مُختلفة، والانفتاح على عصر غير عصرك واستشراف لملامح ماهو قادم،من هنا تأتى ضرورة جرد الحسابات بالنسبة لكل من لديه إهتمامات فكرية ومعرفية عن الكتب التي قرأها خلال السنة والعناوين التي خلخلت أنساقاً ثابتة أو ألقت الضوء على أصقاع مُعَتَمة،كلما كان الحديث عن العناوين وقراءة الكتب أتذكر مقولة (ميلان كونديرا) يقول صاحب (حفلة التفاهة) أن الكتب كثيرة والعمر قصير، فعلاً أنَّ عنصر الزمن يكتسبُ أهمية كبيرة في عالم القراءة وهذا الإدراك للزمن لا يأتي إلا بعد التجربة،أضف إلى ذلك أن الإنسياق وراء ماينشر من اللوائح حول أكثر الكتب مبيعاً أو قراءةً قد يفرغُ عملية القراءة من مُتعة الإكتشاف وإذا إقتنعت بما تراه في وسائل الإعلام عن الإصدارات الجديدة وإكتفيت بما يقرأه غيرك فهذا يعني أنك لن تستطيع التفكير إلا بالطريقة التي يفكر بها كل شخص سواك على حد قول (هاروكي موراكامي).
اكتشافات العام
من الكتب التي قرأتها في غضون السنة “نعيشُ في رمقها الأخير” وأخذتني إلى مدارها رواية الياباني يوكيو مشيما “البحار الذي لفظه البحر” إذ أتابعُ نتاجاته الأخرى وأفتشُ عن المزيد لهذا الكاتب، وعرفتني رواية (رواية الأفلام) للكاتب إيرنان ريبيلر لتيلير بسحر البساطة، إذ يتناول في عمله عشق رب أسرة بسيطة لمشاهدة الأفلام، ومن ثُمَّ تتحول الإبنة إلى راوية لما تشاهده من الأفلام المعروضة وتتسع دائرة مستمعيها إلى أن يصبح هذا العمل مورداً للمعيشة، من المؤلفين الذين قرأتُ لهم هو (ستيفان زفايج) وأنت تقرأُ روايات هذا الكاتب تشعر كأنك تحفر في الذات الإنسانية على مستوى أعمق، وآخر ماقرأت له رواية (رسالة مجهولة) الصادرة من مسيكلياني التي تتحف المكتبة العربية بروائع الأدب العالمي، كما استمتعتُ بقراءة ما سرده (خوان مارتن غيفارا) عن حياة أخيه الثائر (تشي غيفارا) بين دفتي كتاب معنون (أخي تشي) وأعجبتني سعة ثقافة الأخ الأصغر ووضوح نظرته بقدر ما راعني زهد غيفارا بمباهج وبهرجة السلطة ناهيك عن الحراك الثقافي القائم في بيئته العائلية،
والمُؤلف الآخر الذي لا بد من أن أتوقف عنده هو (سيمون دي بوفوار وجان بول سارتر) للصحافية الإنكليزية هازلي رولي، هذا الكتاب يعزز لديك القناعة بضرورة وجود المثقف الملتزم والفعال لا مثقف الكنبة الذي يكون عالة على حركة التاريخ، كما تعلمتُ من أرنست همنغواي ألا أتوقف عن الكتابة وأعزل هذا الأمر من كل مشكلات وأزمات حياتية، وتجولتُ مع كتاب أمين معلوف (مقعد على ضفاف السين) في تأريخ الأكاديمية الفرنسية وحياة من شغل المقعد التاسع والعشرين في هذا الصرح المعرفي، يصعب ذكر كل الكتب التي غذت نهمي المعرفي حيثُ تعددت العناوين بين روايات ومؤلفات عربية ومترجمة. من الروايات العربية (مقتل بائع الكتب) سعد محمد رحيم (مترو حلب) مها حسن (عشبة ضارة في فردوس) هيثم حسين، (بنت باشا) لينا هويان الحسن (أخيلة الظل) منصورة عزالدين (باغندا) شكري المبخوت. (يوليانا) نزار عبدالستار، (الكذابون يحصلون على كل شىء) على بدر. فضلاً عن ذلك إستفدتُ كثيراً من ( في صحبة الكتب) للكاتب العراقي علي حسين ومايجدر بالذكر هنا أنَّ الكتب والروايات التي أخذتها من الشبكة العنكبوتية من خلال التجوال في المواقع أو ما أرسله الأصدقاء صارت رافداً ثقافياً لايمكن التجاهل مايأتيك منه،وثمة منْ لا يمكن إنقطاع عن قراءة مؤلفاتهم منهم
(نجيب محفوظ) الذي كلما أعدت قراءة رواياته يزداد إعجابي ببصيرته النافذة وبفكره المتوقد، عدا صاحب (حرافيش) أعدت قراءة (الخيميائي) للبرازيلي باولو كويلو الذي على رغم غزارة مؤلفاته الروائية لكن تظلُ (الخيميائي) عمله المفضل بالنسبة لمُعجيبه.
ما لم تُقرأ بعد
كما أشرنا أعلاه إلى رأي كونديرا حول ضيق الوقت وكثرة العناوين ما يعنى أن الوقت قد لايسعك لقراءة كل ما حددته من العناوين والمؤلفات في ظرف السنة المُنقضية، غير أن ذلك لايعني تجاهل تلك العناوين بل كل مافي الأمر أن قراءته تأجلت لوقت آخر ومن الكتب التي فاتنى الوقت قبل أن أقرأها ماألفته سفيتلانا أليكسييفيتش، ومحمود مسعدى، بول أوستر، رسائل كافكا، الغثيان، معارضة الغريب لكمال داود. وإن أمهل العمر والوقتُ ستكون هذه العناوين سالفة الذكر وغيرها فاتحة قراءاتي للسنة الجديدة.هنا لابُدَّ أن أشير بأنَّ سلسلة المقابلات التي بدأت بإجرائها مع نخبة من الروائيين قد تستمر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كاتب عراقي كردي