قد تكون الإجابة هي أننا كبشر نبحث دائما عما يحزننا ويألمنا،وقد يكون السبب هو أن الدنيا لاتريد لنا الفرح فهي تخطف منا الأحبة والورود وتهدينا المصائب والأشواك، وقد يكون مايلم بنا من حزن وهم ومصائب ماهو إلا ابتلاء من الخالق عز وجل، قد تكون الإجابة كل ماسبق وغيرها من الإجابات التي تخطر على بالنا ، لكن الحقيقة التي يجمع عليها البشر هي أن لحظات الفرحة الحقيقية قليلة جدا وسط بحر ليس له نهاية من الأحزان.
الشئ الآخر الأكثر غرابة هو اننا لو بدأنا بحساب لحظات الفرحة في حياتنا سنجدها لاتكاد تتخطى أصابع اليد، فأنا اتذكر لحظات الفرحة الحقيقية في حياتي وكانت أولها أول يوم لي في المدرسة أتذكره جيدا بكل تفاصيله المريلة الجديدة التي أرتديها للمرة الأولى والشنطة الحمراء وكوتشي أميجو التركي وساعة اليد الأرقام والمصروف الذي كان وقتها 10 قروش وكان كفيلا لأن اشتريبه ما أحبه، كنت مبهورا يومها افتخر بزيي الجديد ماسكا بيد أمي وأشعر كأني على موعد مع السعادة، في نهاية اليوم الدراسي عدت إلى المنزل بمفردي سعيدا بعالمي الجديد وزملائي الجدد ومُدرستي أبلة فجرية.
الذكرى السعيدة الثانية التي تذكرتها أول رحلة لي في المدرسة وكانت لحديقة الحيوان بالجيزة، كانت سعادتي لاتوصف ونحن نشاهد الحيوانات داخل القفص خاصة الأسد الذي قالت لنا عنه المُدرسة انه ملك الغابة لأنه أقوى الحيوانات، وعندما وصلت إلى الفيل انبهرت به وسألت نفسي كيف لايكون هذا العملاق هو ملك الغابة فلو تصارع مع الأسد لكان الأسد في خبر كان، عرضت على المُدرسة وجهة نظري قالت لي الفيل الأقوى لكن الأسد أسرع، فكان ردي أليس الفهد أسرع من الأسد؟ إذن يجب أن يكون الفهد ملك الغابة، نظرت لي المُدرسة في تعجب ولم تجد إجابة مقنعة، المضحك اني حتى الآن أظن أن الأسد لايستحق لقب ملك الغابة وانه حصل عليه بالوساطة والمحسوبية.
الفرحة الثالثة الحقيقية في حياتي كانت في أول مرة أرى فيها البحر أمام عيني وكان هذا في مصيف رأس البر حين سافرت إليها مع العائلة لقضاء أسبوعين من شهر يوليو، كان لقائي لأول مرة بالبحر يختلط فيه الإحساس بين الإعجاب والانبهار والخوف تخيلت نفسي لو انني أستطيع عبور هذا البحر لأجد نفسي في جنوب إيطاليا لأقابل روبرتو باجو نجم كرة القدم وقتها والذي أوصل إيطاليا لنهائي كأس العالم، لكنه أضاع ضربة الجزاء في المبارة الشهيرة التي أنتهت حوالي الثانية صباحا وسهرت وقتها لهذا الوقت المتأخر لأتابع أول نهائي كأس عالم أتذكره جيدا، وكان عمري وقتها ثماني سنوات فقط ، كنت أتمنى أن أصل إليه وأقول له لاتحزن فإنك قدمت كل مافي وسعك لكن الكورة أجوال كمايقول كابتن لطيف الذي حكى لي عنه خالي كثيرا.
الفرحة الرابعة حين كنت أذهب مع خالي إلى المولد كان يحملني أمام عربة البومب ويعلمني كيف أقوم بالتنشين على البومب، وأنا أتعجب من كمية الألوان التي تضعها البنت الواقفة على عربة البومب، بعدها حملني خالي على أكتافه لأشاهد المولد من فوق، كنت أشعر أن رأسي تخبط في النجوم من فرط السعادة، لحظتها تمنيت أن أظل هكذا أنظر على عالم المولد وأنا على بساطي السحري الذي أهداه لي خالي، بعد هذا بسنوات حملت خالي على كتفي لكن داخل نعشه وهو في طريقه لمثواه الأخير، كم أنا ولد قاسي غير بار يحملني هو لأشاهد المولد يأخذني لبهجة الحياة وأحمله أنا إلى قبره إلى الوحدة والظلام والضيق، وبقيت ليلة أن حملني خالي على كتفيه من أسعد لحظات حياتي على الإطلاق.
الفرحة الخامسة كانت وأنا بجوار جدتي وهي تحكي لي حكايات الشاطر حسن والسندريلا والسندباد وأبوزيد الهلالي وعلي الزيبق، كان خيالي يرسم لي الصورة فأتخيل نفسي البطل الذي يدافع عن الحق فينتصر على الأشرار ويهزم الباطل في نهاية الحكاية، أصبحت على يقين الآن أن الحق لاينتصر في النهاية إلا في الحكايات فقط ، لكن هذا لن يمنعنا من أن نحلم بعالم ينتصر فيه الحق وينكسر فيه الباطل.
أظن أن هذه هي أكثر خمس لحظات فرحت فيها في حياتي، مالحظته هو أن السعادة ليست إلا في أشياء بسيطة جدا في عيون الناس لكنها بالنسبة لك هي الحياة نفسها، الفرحة الحقيقية الآن في الذكرى التي ترسم على وجهي ابتسامة وأنا اتذكر هذه اللحظات، والسعادة بالنسبة لي الآن في ابتسامة ابنتي علياء، التي تقابلني بها وقت عودتي من العمل.