الفرح .. الجميع يكذبون على الجميع وعلى أنفسهم

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام
  سمير فريد*        يأتى فيلم «الفرح» إخراج سامح عبدالعزيز من داخل السينما التجارية السائدة، ولكنه مثل أفلام كثيرة مماثلة فى مصر والعالم، يتجاوز السينما التى جاء منها، ويرتفع إلى مصاف الأعمال الفنية الأصيلة، ويعتبر من أهم وأحسن الأفلام المصرية هذا العام. إنه من الأفلام الواقعية التى تعبر عن الحياة فى الأحياء العشوائية حول وداخل القاهرة، ويدفع جمهوره إلى رفض هذا العار الذى تنوء به مصر، ولكنه كما يتجاوز السينما التى جاء منها، يتجاوز الواقعية إلى آفاق إنسانية رحبة بتوغله الدرامى داخل شخصياته حتى يصل إلى المشترك بين البشر جميعاً.

الجميع هنا يكذبون على الجميع وعلى أنفسهم حتى إن الكذب يبدو ثقافة كاملة هى نتاج الحياة فى تلك الأحياء، التى تمتد خارجها، وتهدد بأن تصبح ثقافة المجتمع كله.

ومن ناحية أخرى يثير الفيلم التأمل حول مدى قدرة الإنسان على الحياة فى عالم من الأكاذيب، والكوارث التى تؤدى إليها الحياة فى ذلك العالم حيث الضياع الأخلاقى رغم التمسك بالشكليات الفارغة. وأجمل ما فى هذا الفيلم أنه بقدر القسوة على شخصياته وهى تمارس الكذب كما تتنفس، بقدر عدم إدانته لها، وحنوه عليها، وكشف مواطن القوة الإنسانية فيها مقابل نقاط الضعف على نحو يذكر بأدب تشيكوف، الذى كان يقول «قدس الأقداس عندى هو الإنسان».

تتمثل قوة الفيلم الدرامية فى نص كاتبه أحمد عبدالله من حيث نجاحه فى العثور على المعادل الموضوعى الذى يعبر عن المعنى، والالتحام العضوى بين المبنى والمعنى.

وفى إدراك مخرجه سامح عبدالعزيز لأبعاد النص، وقدرته على صياغة الأسلوب الملائم للتعبير عنه، خاصة من حيث اختيار الممثلين والممثلات المناسبين تماماً، وقدرته على إدارتهم، واستخدام كل مفردات لغة السينما للتأكيد على المعنى، ومن دون الابتعاد عن ذوق عامة الجمهور، ومن دون الاستسلام لكل متطلباته فى نفس الوقت.

فى تلك الأحياء العشوائية يتبارى ضيوف حفلات الزفاف فى دفع أموال كهدايا للعروسين كل حسب مقدرته، كما يسعدون بقضاء ليلة يحتسون فيها البيرة، ويدخنون الحشيش، ويستمعون إلى أغانيهم، ويشاهدون راقصاتهم، ولا مانع من ممارسات جنسية فى زوايا الأطلال المهجورة.

ومع توحش الفقر أصبحت هناك حفلات زفاف حقيقية، وأخرى مصطنعة لمجرد جمع الأموال. والمعادل الدرامى الموضوعى فى الفيلم إحدى هذه الحفلات المصطنعة حيث يعلم الجميع منذ أول لقطة أنهم يكذبون على أنفسهم وعلى بعضهم البعض، ويعلم المتفرج بدوره.

 

الكلاسيكية والحداثة

 

يجمع البناء الدرامى بين الكلاسيكية بامتياز، والحداثة بامتياز أيضاً. إنه كلاسيكى من حيث محافظته على الوحدات الأرسطية الثلاث «الزمان والمكان والموضوع»، ومحافظته على التطور الدرامى «بداية ووسط-ذروة ونهاية»، وحداثى من حيث وجود العديد من الخطوط الدرامية التى يربط بينها الفرح، إلى جانب الخط الدرامى الرئيسى، وهو صاحب الفرح وأسرته الصغيرة.

تتحقق وحدة الزمان فى الأحداث التى تدور فى أقل من يوم (دورة شمس على حد تعبير أرسطو فى كتابه العمدة «فن الشعر») من الصباح إلى ما قبل منتصف الليل، وتتحقق وحدة المكان فى الساحة التى يقام فيها الفرح، والتى لا نخرج منها إلا للتأكيد على ما يحدث فيها، أما وحدة الموضوع فهى الفرح ذاته، الذى يعبر عن المعنى بدقة.

 

الأخلاق والشكليات

 

صاحب الفرح هو زينهم «خالد الصاوى»، الذى يعيش مع والدته نفيسة «كريمة مختار» وزوجته صفية «روجينا» وأولاده الثلاثة منها. وهو يقيم الفرح المزعوم لأخت له تدعى أنها كانت فى «الخارج» لجمع ما يمكن جمعه من أموال لشراء سيارة «ميكروباص» يعمل عليها. ومنذ المشهد الأول حيث تبدأ الاستعدادات للفرح نعرف أنه مصطنع، ويعرف الجميع أنه كذلك، ومع ذلك ينهمكون فى إعداده وكأنه حقيقى، ويمارسون كل «الطقوس» المعتادة فى القرى وأحياء الفقراء، وأولها استعراض أثاث العروسة أمام الجيران.

مشاهد الأثاث تعبر عن أول تصادم بين الأخلاق والشكليات الفارغة. فالأثاث يأتى فى سيارة نقل، ثم يعود إلى تاجر الأثاث، وندرك أنه مؤجر لمدة ساعتين. ولا نلبث أن نرى أن حفلات الزفاف الوهمية «عملية» كبيرة، يقودها المعلم حبشى «محمود الجندى»، الذى يدير الاتفاق مع العروسين، ومقدم ومغنى الحفل، والراقصة، و«المونولوجيست»، وحتى بائعة البيرة ومصور الفيديو.

ويبرر حبشى الكذب بأن هذه الأفراح نوع من أنواع «التكافل الاجتماعى» بين الفقراء، وأنها مثل «الجمعيات» التى يشترك فيها الموظفون عادة، حيث يدفع كل عضو مبلغاً معيناً كل شهر لمدة معينة، ويحصل كل عضو على الحصيلة كاملة أول كل شهر.

فى الجزء الأول، أو الفصل الأول «البداية» نرى الأستاذ شوقى «حسن حسنى» أحد جيران زينهم، وزوجته نسرين «مى كساب» التى تصغره بنصف قرن يستعدان لممارسة الجنس ليلة الجمعة، حيث تقام الأفراح عادة مساء الخميس، وهو خط درامى يؤكد عالم الأكاذيب.

فهو يستخدم العقاقير ليوهم نفسه بأنه يستطيع استعادة عمر الشباب، وهى توهم نفسها بأن المشكلة مكبر الصوت الذى علق على شرفة الشقة. كما نرى فى البداية العروسين اللذين سيمثلان دور أخت زينهم المزعومة وزوجها، وهو خط درامى آخر يؤكد بدوره عالم الأكاذيب.

يتم تقديم هذا الخط من خلال معركة من معارك نساء العشوائيات والأحياء الفقيرة عموماً بملاسنات كلامية تتحول إلى معركة بين الرجال بالسيوف والسكاكين. وموضوع الملاسنات العلاقة بين جميلة «جومانا مراد» وعبدالله «ياسر جلال» اللذين تم عقد قرانهما منذ سبع سنوات، ولا يتمكنان من الحياة معاً لعدم القدرة على إيجاد مسكن، ويشك الجيران أنهما يمارسان الجنس فى الخفاء.

ومن الحوار بينهما ندرك أن هذا ما يحدث بينهما بالفعل، وبعد المعركة يقرر والد جميلة «سعيد طرابيك» أن يتم الزفاف غداً، وأن تكون الدخلة «بلدى» لقطع الألسنة، أى أن يفض العريس بكارة العروس علناً. ويتفق عبدالله مع جميلة على أن تقوم بعملية «ترقيع» غشاء البكارة بمائتى جنيه، وهو المبلغ الذى سيحصلان عليه مقابل تمثيل دور العروسين فى الفرح. فضلاً عن أن ممارسة الجنس بعد عقد القران لا تخالف شرائع الدين الإسلامى الذى ينتميان إليه، فالوالد هنا يكذب على نفسه، وهما يكذبان بترقيع غشاء البكارة.

وفى البداية ثالثاً نرى المونولوجيست وردة «صلاح عبدالله» القادم من عالم تشيكوف مباشرة. فقد انتهى عصره، ولم يعد مطلوباً فى الأفراح كما كان فى شبابه، ولكنه يدعى أمام أسرته كل خميس أنه ذاهب للعمل فى أحد الأفراح كما كان فى شبابه، وعندما تتم دعوته للاشتراك فى فرح أخت زينهم، ينتهز الفرصة، ويوجه الدعوة إلى ابنه حاتم عازف الموسيقى الذى يدرس فى الكونسرفتوار لحضور الفرح، ليثبت أمامه وأمام نفسه أنه لا يزال مطلوباً، فهو يكذب بدوره، ولا يملك سوى الكذب فى مواجهة واقعه الأليم.

وفى البداية رابعاً سميرة «دنيا سمير غانم» بائعة البيرة التى ترعى والدتها وإخوتها فى غياب والدها، وتقوم بدور «رجل البيت»، وترتدى ملابس الرجال حتى تخفى أنوثتها وتتجنب معاكسات الرجال، وهى بهذا تكذب بدورها حتى تتمكن من الحياة فى الغابة التى وجدت نفسها فيها.

 

مواجهة الحقيقة الوحيدة

 

ومع بداية الفرح يبدأ الفصل الثانى من الفيلم، أو الوسط- الذروة حيث تتبلور العلاقة المعقدة بين مقدم الفرح ومغنيه الرئيسى العسلى «ماجد الكدوانى» ووالده «محمد متولى». ففى صباه قام الوالد بضربه وجرحه جرحاً شوه وجهه، وأدى إلى انفصام العلاقة بينهما.

ويحاول الأب فى هذه الليلة، كما فى ليال سابقة، استعادة حب ابنه له. وتأتى الراقصة نوجة «سوسن بدر» لتغيير ملابسها فى منزل زينهم، فتناشدها والدته اعتزال الرقص، بل تدفع لها المائة والخمسين جنيهاً التى كانت ستحصل عليها مقابل عدم الرقص. وأثناء الفرح يبدى المعلم حسن الحشاش «باسم سمرة» إعجابه بسميرة، ويوقظ بذلك أنوثتها التى طالما قامت بكبتها عن عمد.

ويصل الفيلم إلى ذروته بموت والدة زينهم فجأة أثناء الفرح. وفى مشهد مواجهة الحقيقة الوحيدة فى الفيلم، وفى الحياة، يجتمع فى صالة المنزل وجثة الأم مغطاة على الأريكة التى توفيت عليها، زينهم وصفية من ناحية، ونوجة وحبشى ووردة وعبدالله والعسلى من ناحية أخرى، ويتناقشون هل يعلن خبر الوفاة ويتوقف الفرح، أم يتم إخفاؤه حتى يستمر بمنطق «الحى أبقى من الميت».

لا تتردد صفية فى رفض الاستمرار، كما لا تتردد نوجة، ولكن كل الرجال بمن فيهم زينهم يقررون استمرار الفرح، بل إن زينهم يقوم بضرب نوجة بعنف حتى ترقص.

 

اللعنة الإلهية

 

ويبدأ الفصل الثالث، أو النهاية، بعد هذا المشهد الرئيسى، حيث تنصب اللعنة الإلهية على الجميع.

تقرر صفية طلب الطلاق من زينهم، وكذلك نسرين زوجة شوقى، ويرفض العسلى توسلات والده، ويفشل وردة فى الغناء، وعندما يحاول حسن اغتصاب سميرة فى زاوية مهجورة تقتله، وفى العيادة «السرية» التى تتم فيها عمليات ترقيع غشاء البكارة، يحاول «الطبيب» اغتصاب جميلة، فيضربه عبد الله، ويخرج معها إلى الشارع، ويصرخ فى الناس وقد فقد رشده بأن جميلة زوجته «على سنة الله ورسوله». وتصل اللعنة الإلهية إلى ذروتها بسرقة ما تم جمعه من أموال لشراء السيارة التى يحلم بها زينهم.

ينتهى الفرح، وينتهى الفيلم مع قول حبشى لعمال السرادقات التى تقام فيها الأفراح والمآتم أن يبقوا سرادق الفرح كما هو، ويستبدلوا اللمبات الملونة بأخرى غير ملونة، وذلك لتحويله إلى سرادق للعزاء فى والدة زينهم.

 

الخوف من الجمهور

 

ينتهى الفيلم بهذا المشهد من الناحية الدرامية بعد وصول كل الخطوط الدرامية إلى نهاياتها، كما ينتهى من الناحية الفكرية كفيلم يعبر عن وجهة نظر دينية محافظة. ولكن، ورغم أن العقاب الإلهى واضح تماماً، يستمر الفيلم على نحو شديد الارتباك فى الدقائق الأخيرة، وفى تقاطع مع عناوين عن صناعه، ويعود إلى المشهد الرئيسى، ويفترض أن القرار كان توقف الفرح بعد وفاة والدة زينهم، وليس استمراره.

مع هذه النهاية الثانية يحصل زينهم على ما كان قد تم جمعه من الأموال، ولا تطلب زوجته الطلاق، ولا يضرب نوجة التى تعتزل الرقص استجابة لنصيحة الأم المتوفاة، ويتم زفاف عبد الله وجميلة، ويسامح العسلى والده، ولا يحاول حسن اغتصاب سميرة، وبالتالى لا تقتله، ويقول حاتم لوالده وردة إنه يحبه ويحترم فنه، ولا تطلب نسرين الطلاق من شوقى.

وهذه النهاية أضعفت الفيلم من دون مبرر، وهى من آثار السينما التجارية السائدة التى جاءت منها، وتستهدف إرضاء النزعة المحافظة الغالبة على جمهور السينما هذه السنوات. ولكن المشكلة أنها تحصيل حاصل، فما دامت اللعنة الإلهية قد حلت بسبب ارتكاب الخطأ، يصبح من البدهى أنها لم تكن لتحل لو لم يرتكب. كما أنها لا تصنع نهاية سعيدة، ولا تغير طبيعة الفيلم القاتمة والجميلة فى آن واحد.

 

جيل الصور

 

يبدو سامح عبدالعزيز فى فيلمه نموذجاً للمخرجين الجدد فى العقد الأول من القرن الميلادى الجديد الذين يمكن أن نطلق عليهم «جيل الصور»، فهو يأتى إلى السينما فى عصر تتدفق فيه ملايين الصور كل يوم على أربع شاشات: السينما والتليفزيون والكمبيوتر والموبايل.

ومثل أغلب أبناء جيله يتخرجون فى معاهد وأقسام السينما ويعملون فى البرامج التليفزيونية والإعلانات وأفلام الديجيتال القصيرة قبل أن يخرجوا أفلامهم الروائية الطويلة. إنه جيل يأتى إلى السينما من عالم تتكاثر فيه الصور ويتعاظم دورها، ولذلك يتعامل مع لغة السينما بسهولة، وبقدر كاف من التمكن الحرفى، وعندما تتوفر له ثقافة درامية عميقة وفكر مركب يمكن أن يصنع سينما عظيمة.

وفى فيلم «الفرح» يتعاون المخرج مع أبناء جيله مثل مدير التصوير جلال زكى، ومصمم الديكور والأزياء إسلام يوسف، والمونتير عمرو عاصم، إلى جانب بعض من أبناء الجيل السابق عليه مثل كاتب السيناريو أحمد عبدالله، ومؤلف الموسيقى خالد حماد، ومهندس الصوت أحمد جاسر.

ويجمع بينهم المنتج كريم السبكى الذى يمثل الجيل الثانى من شركة «السبكية» الشهيرة بإنتاج الأفلام التجارية الزاعقة، ويبدو من الفيلم طموحه إلى المساهمة فى تطور فن السينما أيضاً. ويقود سامح عبدالعزيز فريق فيلمه وراء وأمام الكاميرا بمهارة، ويبرز مواهبهم وقدراتهم، وخاصة جلال الزكى، وكان التحدى الذى نجح فيه كيف يصنع إضاءة فرح هو فى حقيقته الدرامية مأتم.

ومن الأمثلة على مهارة المخرج تعبيره عن شخصية سميرة بائعة البيرة، والعلاقة التى تنشأ بينها وبين حسن، والتى تنتهى بأن تقتله، أكبر الكبائر فى الدراما والحياة. لقد سبق أن شاهدها وشاهدته فى أفراح سابقة، ولكنه فى هذه الليلة يراهن أصدقاءه عليها، بينما تتصور أنه يحبها من شدة حاجتها إلى الحب. ويتم التعبير عن ردود أفعالها بلغة سينمائية صافية يقوم فيها الصمت بدور رئيسى.

ويكشف هذا الدور عن مولد ممثلة موهوبة هى دنيا سمير غانم التى أدركت أبعاد الدور، ووصلت إلى الذروة عندما تكتشف أنه لا يحبها وإنما يتعامل معها كفتاة سهلة للمتعة العابرة، وتشرع المطواة التى تحملها، وتقتله دفاعاً عن حلمها الذى ضاع وليس فقط دفاعاً عن نفسها.

فى المقابل، ومن أمثلة الحاجة إلى ثقافة درامية أعمق، وفكر أكثر تركيباً، التعبير عن المشهد الرئيسى الذى تجرى فيه المناقشات حول استمرار الفرح من عدمه بعد وفاة الأم، وجثتها مغطاة على الأريكة التى ماتت عليها.

فلم يختلف هذا المشهد فى تقطيعه وإضاءته وإيقاعه عن مشاهد الفيلم الأخرى، وكان فى حاجة إلى مزيد من التفاصيل وقدر من البطء، والإيقاع البطىء من سمات التركيب الموسيقى، ولا يعنى إثارة الملل بالطبع. كما لم يكن المشهد فى حاجة إلى موسيقى على شريط الصوت لأهمية الحوار الفائقة، ونجاح الممثلين فى الأداء والإلقاء، فهم يتناقشون فى خجل إنسانى فطرى، مما يفكرون فيه، وعندما يتخذون القرار باستمرار الفرح يبدون وكأن أصواتهم ليست أصواتهم الحقيقية. إنه مشهد أبيض وأسود فى فيلم بالألوان.

 

استعراض لفن التمثيل

 

وهذا الفيلم استعراض لفن التمثيل، وهو من فنون مصر العريقة التى يثبت مستواها للمقارنة مع المستويات العالمية بجدارة، ورغم أنه يخلو من أى من نجوم «الشباك»، أى الذين يذهب الجمهور إلى السينما لمشاهدتهم أولاً وأخيراً، وقبل كل شىء.

هنا خالد الصاوى فى دور محورى يؤكد تألقه على الشاشة، وإن كان لا يستطيع أن يتخلص تماماً من خبرته المسرحية، التى تتمثل فى إخفاء وجهه بيديه فى بعض لحظات الألم، وتضع كريمة مختار خلاصة مسيرتها الإبداعية الطويلة، وكذلك حسن حسنى ومحمود الجندى وصلاح عبدالله الذى بدا ساحراً ويستوعب دوره التشيكوفى استيعاباً كاملاً، وسوسن بدر التى لخصت فى نظراتها كل القهر والضياع والحيرة فى صمت أبلغ من كل كلام.

ماجد الكدوانى يربط أجزاء الفرح وأجزاء الفيلم بتلقائية مصنوعة جيداً، ويبدع فى حديث الحب-الكراهية مع والده، ويساعده أداء محمد متولى المتميز فى دور الوالد. وتكشف روجينا بقوة عندما تطلب الطلاق قدرة الإنسان على أن يكون نفسه مهما كانت الظروف: إنها تعيش فى مستنقع، ولكن لها صلابة أميرة من أسرة ملكية.

والممثلة السورية جومانا مراد فى دور العروس عاشت التناقض بين الزفاف الوهمى والزفاف الحقيقى الذى تنتظره منذ سنوات رغم ثقل الماكياج فى عدة مشاهد، كما عبر ياسر جلال عن التناقض بين قوته البدنية وضعفه الاجتماعى الذى يدفعه إلى اليأس والجنون، وعبر باسم سمرة عن القسوة الناتجة من الفراغ الروحى، ويتكامل التمثيل، وتتكامل العناصر السينمائية عموماً فى هذا الفيلم الجميل، وما أقل الأفلام الجميلة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* ناقد سينمائي مصري

[email protected]

 

مقالات من نفس القسم