محمد سرساوي
الغلاف هو سحر العمل المطبوع الذي يأخذك من أرض الواقع ويساعدك على دخول العالم الذي صنعه لك الكاتب، وهو نفسه الباب الذي سوف تخرج منه بعدما تنتهي من رحلة القراءة حاملاً معك أفكارا وتساؤلات وفقرات لتساعدك على مواجهة الحياة التي تعيشها.
ومن النادر الآن أن يظهر الغلاف الذي يعد العتبة الأولى للنص في دراسة لناقد عن عمل أدبي، وسؤالنا لماذا لا يهتم النقاد بالغلاف، بل ويهملون الربط بينه وبين محتوى العمل الذي يُصمم له.
قال الناقد أحمد إبراهيم إن الغلاف هو العتبة الأولى للدخول إلى النص، وهو الذي يحمل في تصميمه عدداً من التفاصيل المميزة عن العمل، مشيراً إلى وجود بعض الأغلفة التي لا يهتم بها النقاد لأنها لا تحمل تلك التفاصيل عن العمل الذي تقدمه، لذلك يتحول اهتمامهم إلى العنوان فقط.
ويرى إبراهيم أن المشكلة الأساسية في غلاف العمل هي أن بعض دور النشر تلجاء للاستعانة بغلاف غير مرتبط بالعمل الأدبي، ويكتفون بوضع تصميمات للوحات فنية وعالمية بالغلاف، وهو ما أرجعه إلى ضعف الثقافة العامة لديهم.
ويشير الكاتب محمد عبد النبي إلى أن نقاد كثيرون ولفترة طويلة كانوا يشيرون إجمالاً إلى الغلاف، في إطار موضة عتبات النص، والتي سرت في النقد العربي مسرى النار بالهشيم قبل بضع سنوات، ومضيفاً بأن الاهتمام بالعنوان، وإهداء الكاتب، والمقتطف الذي يستعيره في بداية كتابه كان هو الأهم بالنسبة لهم، بينما الغلاف فكانت تتم الإشارة إليه باعتباره عتبة أخرى من العتبات لا باعتباره منتج جمالي قائم بذاته.
ويتابع عبد النبي بأنه يعجب دائماً بالأغلفة التي يصممها الفنان أحمد اللباد خاصاً غلاف ديوان محمود خير الله “لعنة سقطت من السماء”، والذي استطاع فيه أن يحول العنوان المغرق في التراجيدية والميثولوجية إلى موتيفة يومية بسيطة ومباشرة وبصرية رائعة، والذي تمثل في وضع بضعة مشابك للغسيل والتي بمثابة قراءة بصرية موازية للديوان، كان هذا بمثابة قراءة بصرية موازية للديوان، أعتقد أن غلاف لصوص متقاعدون لحمدي أبو جليل أيضاً كان رائعاً علي هيئة مطواة قرن غزال والخلفية سوداء.
ويقول الناقد د.سيد ضيف الله إنه لا شك أن الاهتمام بتناول الغلاف الخاص بالأعمال الإبداعية سواء كانت أشعارًا أو مجموعات قصص أو روايات يكاد يكون منعدمًا في الصحافة الثقافية، وذلك له عدة أسباب من وجهة نظره، أولها أن الصحافة الثقافية تعاني مشاكل عديدة أثرت على مستوى النقد الصحفي للأدب الذي تحول لمجرد تلخيص أو متابعات تحكي الحدوتة الخاصة بالرواية أو الديوان، وبالتالي انعكس هذا الإهمال على واحدة من أهم أدوات الناقد وهو التحليل الفني لغلاف العمل الأدبي.
وأوضح ضيف الله بأن كثيراً من المبدعين لم يعودوا يريدون أن يقرءوا نقداً لأعمالهم بقدر ما يريدون أن يقرءوا دعاية مجانية لها، ويدعمهم في ذلك دور النشر التي تتعامل مع الناقد باعتباره مروج سلع لا متلقي لعمل فني متكامل.
يؤكد ضيف بأن هذا لا ينفي أن هناك بعض الأدباء الذين يحرصون على الغلاف حرصهم على النص نفسه باعتباره جزءًا مكملا له لدرجة عمل ورش عمل مع مصمم الغلاف ومن هؤلاء طاهرالشرقاوي وطارق إمام على سبيل المثال لا الحصر .
وأضاف ضيف الله بأن الاتجاه السائد في رسم الأغلفة في العقد الأخير هو أن يكون الغلاف لا صلة له بالعمل الأدبي بشكل مباشر باعتباره قراءة مصمم الغلاف للرواية أو الديوان، وليس كما كان في الخمسينيات والسيتينيات مسخراً لخدمة العمل الأدبي أو عتبة له، مما قطع الصلة بين الغلاف والعمل تماماً ليكون مجرد فرصة لمصمم الأغلفة ليطرح فيها أفكاره الخاصة.
ويؤكد ضيف الله على أن هذا الإهمال لا ينفي وجود بعض الأدباء الذين يحرصون على الغلاف كحرصهم على النص نفسه باعتباره جزءاً مكملاً له لدرجة عمل ورش عمل مع المصمم للخروج بالتصميم الأمثل للديوان أو الرواية.
فيما يري الناقد د.يسري عبد الله أن الغلاف قد يكون مدخلاً أولياً لقراءة النص الأدبي، ومفتاحا لفهم عوالمه، وعمل الناقد بإزاء الغلاف يتمثل في تحديد تماساته مع النص، خاصة وأن الغلاف نفسه قد يطرح براحاً خصباً في التأويل، لكن ذلك يتطلب أن يكون مصمم الغلاف مثقفاً بالأساس، وواعياً بماهية الأدب، وليس مجرد مصمم لشكل جمالي.
ويضيف عبد الله بأن هناك عدد من الأغلفة التي لا ينسى علاقتها بمضمون العمل، كغلاف المجموعة القصصية “تجاوزت المقهي دون أن يراك أحدهم” للمصمم أحمد اللباد والصادر عن دار ميريت، والذي تضمن صبياً عاقداً كفيه خلف ظهره، ومبدياً عدم اكتراثه بالعالم من خلفه، وهي مجموعة مليئة بتلك الرغبة العارمة في التخفي، والمداراة، والسخرية من العالم، والتهكم عليه، وكذلك أغلفة روايات “ركل العالم”، و “عقد الحلزون”.
ويؤكد الناقد مدحت صفوت على أن الغلاف يساعد الناقد والقارئ علي الارتباط بالنص، كعتبة أولى له ثم يساعده على تخيل أحداث العمل قبيل البدء في قراءته.
وأشار صفوت إلى أن الغلاف أصبح شيئاً مهماَ عند الناشر والمبدع اللذين بدءا يختاران مصمم جيد للأغلفة ليصنع عمل فني يتشابك مع نص العمل، مضيفاً بأن مصمم الغلاف يحمل معه الأدوات التي تساعد القارئ على طرح تساؤلاته الأولى قبل أن يبدأ بقراءة العمل كعامل جذب أولي إلى النص.
وأضاف صفوت بأن تاريخ الغلاف في مصر أزدهر علي يد الفنان الراحل محي الدين اللباد الذي كانت له اعمال بارزة في دار الشرقيات، وكذلك الفنان حلمي التوني ابدعاته التي نراها في أغلفة دار الشروق وسلسلة روايات الهلال التابعه لمؤسسة دار الهلال، وابداعات الفنان جوده خليفه في دار الأحمدي وتحفتة الفنية عندما قام بتصميم غلاف والرسوم الداخلية في رواية “سفر البنيان” لجمال الغيطاني، وكذلك الفنان أحمد اللباد الذي طور فكره تصميم الغلاف في دار ميريت ودار العين والهيئات الحكومية مثل الهيئة العامة للكتاب وهيئة قصور الثقافة ، كذلك رسوم صلاح عناني في مطبوعات القاهرة والمصممون الشباب كريم آدم ومصطفي نوبي وغادة خليفة والذين جعلوا جميعاً الغلاف أقرب إلى لوحة فنية.
خاص الكتابة