العصابة الأمريكية

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

قصة .. شريف الغريني

رشحنى بنفسه للوظيفة لأنه يعرفنى ، فهو ابن البلدة الفقيرة التى أنتمى إليها  والتى مازال  اسمها مكتوب فى بطاقة هويتى  ... رحل منها معدماً لكنه عاد إليها  أنيقا بعد سنوات ، قال لنا  بسيارته الفارهة : أنا الأكثر نجاحا والأوفر حظاً ،  مشى بخيلاء فوق عيون البشر عابراً جسور التعاسة التى كانت تصل بين الفقر والعوز. 

جلست أمامه ، فى مكتبه بعد عام كامل من العمل تحت إدارته ، استدعانى ليبلغنى بنتيجة التحقيق ، انشغل باحثا فى أوراق ، تلقى مكالمات وتركنى لبياض سخيف صنعته أضواء كاشفات الفلورسنت  المختلط بالضوء الآت من النافذة ، زاد من توترى محاولة إخفائى لما أشعر به ، أما هو فكان  يبحث عن أسوأ عضلة غضب فى وجهه ليبرزها  … لم يعد – منذ فترة-  ودودا معى  ..

ضغط أزرار التحكم ، أدارالتكييف  الذى دفع فى وجهى زفيراً مختزناً وعطانة كريهة  كتلك التى تخرج من فوهة المجارير  ، بحث أمامه عن قدح القهوة ، امتعض بعد أول رشفة عندما اكتشف أنها باردة ، عاد للوراء بكرسيه الذى أحدث صراً مزعجاً  ثم تقدم للأمام ، أسند مرفقه الأيسر على المكتب وباشر حك  مؤخرة عنقه وشحمة أذنه  ،أخرج من درج مكتبه صورة فوتوغرافية ، وضعها أمامه ، تعمد أن تكون أمامى أيضا ، لم افهم و لم أتصور أن محتوى  الصورة هو ما يغضبه ولماذا يغضبه ؟! أليس هو من لعن أمامى البلدة وافكارها  البالية !  …لم أر من قبل  متحررا مثله!  لماذا يحاول الآن إتهامى بشىء  عقاباً لى على شيء آخر فعلته وأنا أجهل انه  خظأ ؟  أ من أجل صورة مثل التى امامه يحدث كل هذا؟

عندما أعلنت الشركة عن قيام رحلة لشرم الشيخ إتصل بى وديا ،  ذهبت معه لشراء مايوه لخطيبته التى سترافقه ، لم يستحى من أستطلاع رأيى ، أخرجه من علبته ، بسطه امامى وأمام البائعة  ، القطعة الأولى المخططة والثانية المنقوشة بنجوم ،  طلب لنفسه عصابة رأس …  لم يخترلرأسه  سوى  العلم الامريكى ، رشحت له عصابة مموهة لكنه لم يقتنع إلا بالعصابة الأمريكية.

فى المطار جاءت  خطيبته وكانت غاضبة ، أخبرتنا أنه سيتخلف عن الرحلة ، كانت وحيدة مثلى بلا رفيق ، عرضت عليها مساعداتى ،  أصبحت رفيقها حتى اليوم الأخير ، لم تكن  تعرف أيا من الزملاء  ، شاركتها كل شىء وأنا أظن أن الواجب يقتضى ذلك ، رقصت معى مرتدية المايوه البكينى ذي النجوم الزرقاء والخطوط ، الحمراء ، إلتقط لنا الزملاء مئات الصور .

 و مع ذلك  فهذه الصورة التى وضعها أمامى على المكتب لم تكن الأكثر سخونة.

فى ا لنهاية التقط ورقة من الطابعة  وضعها أمامى  وقال لى ببساطة  وهدوء:

– قررت الشركة بعد التحقيق الإستغناء عن خدماتك ..أنت بددت الآمانة

 –  الشركة؟!! 

طلب توقيعى على الإستقالة ، إنصرفت وأنا لا إعرف أية أمانة يقصد!! ..لم أصدق أن فقدان جهاز” لاب توب” يمكن أن يؤدى إلى هذا التحقيق ، رفضوا و قالوا أنهم يستندون للمبدأ عندما عرضت عليهم خصم ثمنه من راتبى ، لم تفلح توسلاتى التى لم تنقطع حتى انصرفت مطرودا ، خرجت من بوابات الشركة ، سرت فى ظلال الأسوارالخارجية وأنا أتحسر على الراتب الكبير الذى حرمت  منه والسيارة ، والسائق الذى كان تحت تصرفى  ، تسابقت  فى رأسى حلول ساذجة ،  شعرت أن قدماى لا تريدان أن  تحملانى أبعد من ذلك ، وأن السور لا يريد أن ينتهى ، توقفت وإستندت عليه بظهرى و إليتى و باطن قدمى حتى صارت احدى ركبتاى  تشير إلى الأرض التى كنت أنظر إليها وانا  أنفثت حسرتى من سيجارتى ، التقطت  تليفونى من غمده  ، اتصلت بخطيبته التي طلبت منى أن انتظر حيث  انا ، وعدتنى بأنها ستأتي لإنهاء الموقف برمته ، مرت أمامى مسرعة بسيارتها فى إتجاه بوابات الشركة ،  أشارت لى  من خلف زجاجها – مرة اخرى- أن أظل حيث أنا ، أحرقت كل سجائرى  انتظاراً  ، تأخرتْ أكثر من ساعة ، تركتُ ظلال السور عابراً  الطريق  لشراء سجائر، اصطدمت عينى بضوء الشمس الذى ذهب ببصرى للحظة ، عادت خطيبته مسرعة و آخر ماسمعته كان نداءً مختلطاً بصراخ إطاراتها الزاحفات كبحاً

– حاسب …..

  

مقالات من نفس القسم