نزلت أنا و (جاد) نحمل الجرّة لنملأها من الطرمبة جوار الترعة… وكلما رآنا آحدهم وعرف أننا نعمل عندها سألنا باستنكار: “وملقيتوش غير (مشحوتة)؟”.. لا أعرف كيف أجيب.. لكن (جاد) يحني رأسه ويقول: “معلش”
تركت (جاد) عند الطرمبة ورفعت طرف جلبابي وعقدته على خصري فبدا بنطالي المزركش من تحته.. جلست على حافة الترعة أدلّي ساقيّ وأطوّح بهما في الماء، فجاءني صوت (جاد) من الخلف:
– بلاش يا (ريما)، ستي محرّجة علينا نلعب بالميّه
– هبقى أنزل الجلبية ع البنطلون مش هيبان
جلس جواري ضامًا ساقيه إلى صدره وناظرًا لي… نظرتُ إليه وربما ابتسمتُ قبل أن تقع عيناي على ما خلفه وأصرخ في هلع: كان هذا (سعد) يدفع (جاد) بكلتي يديه ليسقط في الترعة. انحنيت على (جاد) مددت يدي له أساعده في حين أقول لـ (سعد):
– ليه يا (سعد)؟ إيه بس غرضك في الأذية؟
– عشان يستحمى خدّام العبيطة اللي مبتستحماش
صعد (جاد)، ووقف يرتجف في جلبابه المبتل:
– وهنعمل إيه دلوقتي يا (جاد)… ستّي هتضربنا
رمق (سعد) بنظرة جانبية وقال:
– معلش
على الباب، نظرت ستّي إلى جلباب (جاد) وقالت بحقد:
– إنت لعبت بالميّه؟
ارتبك (جاد)، ولم يجب. نظرَت لي ستي وقالت:
– إنزلي هاتي حبل تخين من البقال
نظرت بتردد إلى (جاد)… هل ستضربه بالحبل أم تربطه به؟ هذه المجنونة… هل تفكر في شنقه؟ انتفضت مع صرختها:
– ياللا!
جريت إلى أسفل، وعدت بأقصى سرعة وإذ أمر تحت شرفتها سقطت على ذراعي ورأسي قطرات من غسيلها القذر.
صعدت، وناولتها الحبل فالتقطته وجرت إلى الشرفة، وراحت تثبته إلى جوار حبال الغسيل.. أين (جاد).. سمعت صوت تمزّق أربطة ولاح لي من وراء جسدها الضخم جلباب (جاد) الأبيض.. هل نشرت الجلباب ليجف؟
ملت بجذعي قليلاً لأتمكن من الرؤية، انكتم صوتي للحظة ثم صرخت بأعلى صوت: هناك على الحبال جلباب (جاد) منشورًا، وبداخله: (جاد).
التفتت لي ستّي وقالت باندهاش:
– في إيه؟
صوت التمزق يتزايد.. وقدّرت أنه بين لحظة وأخرى سيسقط (جاد).. تراجعت للوراء وأنا أردد:
– نزّليه! نزّليه!
اقتربت مني وقالت بحنان:
– متخافيش.. هينشف
في هذه اللحظة تذكرت بنطالي المبتل، رجف قلبي ونظرت للأسفل، ستكون كارثة لو لاحظت. صوت التمزق يتزايد… جريت إلى سور الشرفة… طالعتني عينا (جاد) المحتقنتان: إن كتفيه ممزقين في موضع المشابك المعدنية العملاقة، وتتساقط من جسده الدماء، بينما شفتاه تردد: “معلش”. نظرت إلى القطرات التي سقطت على ذراعي إذ أصعد إلى العمارة.. إنها قطرات حمراء.. قطرات دماء..
ملت بجذعي لأساعده، ولكن ستي جرت إلي تبعدني وتحاوطني بذراعيها:
– إوعي تقعي يا مجنونة!
سمعت صوت تمزق الحبال يصل مداه، ثم يتوقف نهائيًا، شهقت وأخفيت عيني بيدي: اختفى (جاد) من أمامي، ودوّى صوت الارتطام.
هويت على الأرض، نقّلت ستّي بصرها بيني وبين الحبال المقطوعة وقالت في ألم:
– معلش!
رحت أرتجف وأبكي فضمتني ستي إلى صدرها، حتى لحظة أبعدت وجهي ونظرت لي بحدة:
– (ريما).. إنتي مبلولة!
جفت دموعي فجأة.. دق قلبي بعنف:
– دي… دي دموع يا ستي!
رفعَت طرف جلبابي وجسّت بنطالي، وقالت مستنكرة:
– دموع!!؟
نظرتُ إلى الباب.. يجب أن أحرر نفسي من بين ذراعيها وأفر، لكنها في لحظة لوت ذراعيّ خلف ظهري وقيدتهما بالحبال، وفي اللحظة التالية قيدت ساقيّ. ثم ذهبت إلى الشرفة تتابع تثبيت الحبل الجديد.
تجمع الناس أمام الباب يطرقون في عنف.. ولكن ستي لا تفتح. صرخت بأعلى الصوت:
– إلحقوني.. هتنشرني
قالت برفق:
– متخافيش يا (ريما).. الحبل القديم مستحملش عشان رفيّع.. لكن دا هيستحمل.
توسلتُ إليها:
– متنشرينيش زي (جاد) يا ستي! حرّمت!
تقترب مني:
– لا يا (ريما)! مش هنشرك زي (جاد)!
تذهب إلى الخارج وتعود بعد لحظة حاملة ساطورًا، تحملني وتضعني على الطاولة… أصرخ في هيستيريا، تتابع:
– (جاد) بلّ جسمه كله، إنما إنتي…
الطرقات تتزايد.. ليتهم يفعلون شيئًا.. ليتهم يكسرون الباب.. ترفع الساطور إلى خصري:
– إنتي بلّيتي رجلك بس!
وتهوي به.
ربما، في هذه اللحظة انفتح الباب.
.
.
.
من أجل هذا أقول: عندما تمر تحت شرفة ستّي (مشحوتة)، حاذر أن تتسخ ملابسك بقطرات غسيلها الدامية.
ـــــــــــــــــــــــــ
* روائية مصرية ، مؤسسة جروب قصص رعب على الفيس بوك
خاص الكتابة