أحمد عبد الرحيم
فى السنوات العشر الأخيرة، ستلاحظ أمرًا يثير الحزن، والخوف أيضًا. لقد زاد، وتزايد، الاعتماد على مفردات غربية، غريبة، فى عناوين أفلامنا؛ كأن فيروسًا مستوردًا ضربها بطفح جلدى مقرف، وأقول “طفح” لأنه فيض سقيم ينتشر سريعًا، و”جلدى” باعتبار أن عنوان الفيلم هو أول ما تقابله منه، أى سطحه الخارجى.
ستقابل عناوين تشمل كلمات عربية مع كلمات أجنبية، لكن سهل – إلى حد ما – فهمها، مثل: (صابر جوجل – 2014) والمقصود Google شركة خدمات الإنترنت الكبرى فى العالم، (بارتى فى حارتى – 2016) والمقصود الكلمة الإنجليزية Party أى حفلة، (عفريت ترانزيت – 2020) والمقصود الكلمة لاتينية الأصل Transit أى التوقف فى ميناء أو مطار خلال رحلات السفر..
هذا إلى جانب أسماء، أو ألقاب، قد تبدو مألوفة للأذن، مثل: (الديزل – 2018) والمقصود Diesel وهو وقود هيدروكربونى صار يُطلَق على بعض القطارات فى مصر، (كازانوفا – 2019) والمقصود Giacomo Casanova أو چياكومو كازانوفا المُغامِر الإيطالى الذى اشتهر بكونه أشهر زير نساء فى التاريخ، (بلوموندو – 2023) والمقصود Jean-Paul Belmondo أو چان بول بلموندو نجم أفلام الأكشن والكوميديا فى السينما الفرنسية من الستينيات إلى الثمانينيات..
لكن على الجانب الآخر، ستصطدم بتطرُّف فى اختيار كلمات بعيدة عن أذهان الأغلبية، مثل: (باباراتزى – 2015) والمقصود المصطلح الإيطالى الأصل Paparazzi أى مُصوِّر صحفى يتتبّع مشاهير المجتمع بغرض فضحهم، (ريجاتا – 2015) والمقصود Fiat Regata وهى نوعية سيارات إيطالية أُنتجت ما بين 1983 و1990، (كارما – 2018) والمقصود Karma وهى كلمة هندية الأصل تعبِّر عن مفهوم فى بعض الديانات الأرضية الشرقية، كالبوذية والهندوسية، يقوم على مبدأ السببية، وتأثير أفكار الشخص وأفعاله على مستقبله ومصيره..
ثم وصل التطرُّف مُؤخرًا إلى حدود مستفزة كمًّا وكيفًا، فى أفلام عديدة تعتمد عناوينها على مصطلحات غربية بالكامل، لكن “يادوب” مكتوبة بحروف عربية. شهدت سنة 2023 ثلاثة أفلام من هذه النوعية دفعة واحدة هى: (جروب الماميز) وهو عنوان خليط من كلمة Group أى مجموعة باللغة الإنجليزية، وMommies جمع كلمة Mommy بمعنى “أمى”؛ التى يستخدمها الأطفال لنداء أمهاتهم فى أمريكا الشمالية، والمقصود – فى النهاية – مجموعة أمهات تتواصل بخصوص تربية أبنائهن، (شوجر دادى) والمقصود المصطلح الأمريكى Sugar Daddy بمعنى رجل مُسِنّ ينفق على شابة صغيرة مقابل جسدها، ثم (ڤوى! ڤوى! ڤوى!) والمقصود الهتاف الإسبانى Voy! Voy! Voy! بمعنى “أنا قادم! أنا قادم! أنا قادم!” وكأن الإسبان هم الجمهور المُستهدَف للفيلم!
يستمر ذلك فى العام التالى 2024، لتشهد (جوازة توكسيك) المُشير إلى مصطلح Toxic Marriage من العامية الأمريكية الذى يعنى الزواج المُسمِّم، أى المُؤثِّر سلبًا على طرفيه أو أحدهما، لكن بعد تحويل الكلمة الأولى إلى مفرد عامى مُنكَّر “جوازة”، ثم كتابة المنطوق الإنجليزى للكلمة الثانية بحروف عربية “توكسيك”! كذلك (X مراتى) وحرف إكس المقصود به فى الواقع Ex وهو – مُجدَّدًا – مصطلح مجلوب من العامية الأمريكية يعنى السابق؛ سواء كانت الإشارة إلى شريك الزواج (ex-husband أى الزوج السابق، أو ex-wife أى الزوجة السابقة)، أو إلى شريك الجنس بدون زواج (ex-boyfriend أى العشيق السابق، أو ex-girlfriend أى العشيقة السابقة)، لكن كتابة حرف X وحيدًا باللغة الإنجليزية، قبل الكلمة العامية “مراتى”، أدى إلى نشاز بصرى، وصدام لغوى، وحيرة مُنفِّرة؛ ولا أعتقد أن هذا ما يرجوه أى فنان لعمله!
لا جدال أن كل فنان حُرّ فى اختيار العنوان الذى يناسب عمله الفنى، ويجذب الجمهور إليه، لكن حينما ينقلب – فجأة – كم لا بأس به من عناوين أفلامنا إلى كلمات أو أسماء أجنبية، ومصطلحات غربية تمامًا، يعجز الملتقى عن قراءتها قبل فهمها، فى تفضيل لها على أى بديل وطنى؛ فهذه ظاهرة جديدة تحتِّم التعجُّب، وتفرض التساؤل: ما أخبار هويتنا؟! هل هى بخير؟! أمازالت حيّة؟!!
فى زمن ماضٍ، أفضل، كانت عناوين أفلامنا إما تعرب عن رقى وفخامة لغتنا، مثل: (المجد الخالد – 1937)، (سيف الجلاد – 1944)، (الزلة الكبرى – 1946)، وإما تستقى من تراثنا الأدبى مثل: (ليت الشباب – 1948) المأخوذ من بيت للشاعر العباسى أبي العتاهية “فيَا لَيتَ الشّبابَ يَعُودُ يَوْمًا، فأُخبرَهُ بمَا فَعَلَ المَشيبُ”، أو من ثقافتنا الدينية مثل: (المال والبنون – 1954) الآتى من الآية 46 فى سورة الكهف بالقرآن الكريم “الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا”، و(الجنة تحت قدميها – 1979) المأخوذ من حديث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم، الذى أمر فيه رجلًا أراد ترك أمه للحرب: “فَالْزَمْهَا؛ فَإِنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ قَدَميهَا”، أو من أمثالنا الشعبية مثل: (صاحب بالين – 1945) المُستوحَى من مَثَل “صاحب بالين كداب”، (من رضى بقليله – 1955) المُستوحَى من مَثَل “من رضى بقليله عاش”، (جرى الوحوش – 1987) المُستوحَى من مَثَل “إجرى جرى الوحوش، عن رزقك لن تحوش”..
إليك هذا المثال الصغير، فى فترة أربع سنوات من 1971 إلى 1974، أنتجت السينما المصرية 176 فيلمًا؛ منها فيلم واحد فقط شمل عنوانه كلمة غير عربية (البنات والمرسيدس – 1973)، والـ”مرسيدس” هى نوعية السيارات التى تنتجها الشركة الألمانية Mercedes-Benz. أما فى فترة السنوات الأربع من 2021 إلى 2024، أنتجت السينما المصرية حوالى 140 فيلمًا، منها 12 فيلمًا شملت عناوينها كلمات غير عربية. أى إنه بعد خمسين عامًا، تزايد العدد إلى 12 ضعفًا، رغم تناقص الإنتاج!
لا تقل لى إن مبدعى هذه الأفلام الأقدم لم يعرفوا الإنجليزية، بل لغات غيرها أيضًا، ولا تقل لى إن المستوى التعليمى للجمهور حينذاك كان أضعف من الحالى؛ لأنه لا يوجد أضعف من الحالى (الذى يتصدَّر المراكز الأخيرة فى مؤشرات الجودة العالمية، بل اقتنص سنة 2018 لقب “الأسوأ على مستوى العالم”!)، إذًا لماذا لم يلجأ أصحاب هذه الأفلام إلى تلك الحيلة، ويعنونوا عددًا طيّبًا من أفلامهم بكلمة أجنبية، أو مصطلح غربى؟ سأجيبك: لأننا – سواء قبل جلاء المحتل البريطانى، أو بعده بعدة عقود – كان لدينا اعتزاز بالوطن، وغيرة على اللغة الأم، وإعلاء لفكرة القومية، و – لاحظ – حذَر من الغرب المُستعمِر، ذى الفكر الماسخ لهويتنا، المُعارِض لعاداتنا. كما كان الاهتمام باللغة العربية لا يزال قائمًا، مُحافِظًا على حضور وشعبية ما لها، عبر – مثلًا – إنتاج القطاع العام والخاص لأعمال فنية بالعربية الفصحى؛ كأفلام ومسلسلات تاريخية، مسلسلات وبرامج تربوية للطفل، مسلسلات وبرامج واحتفالات غنائية دينية، مسرحيات شعرية وغير شعرية، قصائد مُغنّاة (وغيره مما يعد الآن ضربًا من ضروب الخيال العلمى!). ولم يكن شائعًا بعد المدارس والجامعات الخاصة، التى قد تكون ربّت أجيالًا على لغة مختلفة، وثقافة مُخالِفة، تُلقى بالعربية، باعتبارها لغة وهوية، فى المركز الثانى، أو الأخير. هذا المناخ كوّن فنانًا واعيًا، مُنتميًا، رَغِبَ فى كسب مختلف فئات الجمهور، المتعلِّم وغير المتعلِّم، المثقف وغير المثقف، والتواصل معه بلغة بين مقبولة، وراقية، تنتمى إليه، وتعتنى بذائقته.
تخيّل معى لو أنا فنانًا سينمائيًّا مصريًّا قدّم أفلامًا بعناوين فصحى مثل “أباخس الجعسوس”، أو “بيذارة العفنجج”، أو “عصبصب فى السجسج”. يقينًا لن يطيق أحد مشاهدة أعمال كهذه، بل ربما لن يجد الفنان مُنتِجًا لها من الأصل (بالمناسبة، العنوان الأول يعنى “أصابع الخبيث”، والثانى “إسراف الأحمق”، والثالث “يوم حار فى الأرض الواسعة”)، ولو أصرّ الفنان على هذه العناوين العجيبة، فإنه يُفضِّل نفسه على جمهوره، وبدلًا من ترغيبهم فى فنه، سيبعدهم عن ذلك الفن الذى يحادثهم – أول ما يحادثهم – بكلمات ثقيلة مُستغلَقة. لكن إذا ما كان ذلك التطرُّف فى استخدام اللغة العربية مرفوضًا من جانب الفنانين والمنتجين فى مصر، فحاول أن تتخيّل كيف أن التطرُّف فى الاتجاه الآخر، حين استخدام اللغة الإنجليزية وغيرها، صار مقبولًا الآن من جانب هؤلاء الفنانين والمنتجين أنفسهم!
نعم، منذ نهاية التسعينيات، مع انتشار أجهزة الكومبيوتر، وأطباق الدش، ووصلات الإنترنت، كَثُرَت الكلمات الإنجليزية على الألسنة فى مصر وبلادنا العربية؛ وهذا أمر صحى يضيف ولا ينتقص. لكن حينما تنسحب الكلمات العربية فى المقابل، من أول أعمالنا الفنيّة وصولًا إلى لغتنا الدارجة، فهذا هو الانتقاص، والاستسلام، وربما الهزيمة، وهو ما يجبرنى على تذكُّر واقعة سؤال الخليفة العباسى أبو جعفر المنصور لأحد حكماء بنى أميّة عن سبب انهيار الدولة الأمويّة، ليجيب الأخير بأنه وسط استشراء الفساد، وفقدان الاتزان “ضعنا بين إفراط وتفريط”؛ فما يحدث اليوم إفراط فى التقرُّب من لغة غيرنا، وتفريط فى لغتنا.
..وبالتالى، الاستنتاج الذى لا يتطلّب تفكيرًا عويصًا كى تصل إليه هو أننا أصبحنا مُنفتِحين على الغرب على نحو مختل يجرفنا إلى نسيان شخصيتنا الأصلية. أن تتأثر بالآخر شىء، وأن تغترب عن نفسك شىء آخر. ما أطيب أن تتكلّم لغة أجنبية كأصحابها، وما أخطر أن تنسى لغتك الأولى وأنت صاحبها؛ فتعجز عن قراءة دينك، وتاريخك، وتنقلب إلى أجنبى القناعات، والتصرُّفات.
قد تقول: “حسنًا، هذا شخص يحب لغته، وهويته، لكن الأمر ليس بهذه الجلبة!”، وحينذاك سأخبرك أن هذه الجلبة لم تعد تزعجنى وحدى، فقد بدأت أشعر بمذاق المَسْخِ فى فكر الآخرين أيضًا؛ فمنذ فترة، قرأ قريب لى عنوان فيلم ويزو سكول (2023) مُستغربًا إياه، وحينما حاولت تبسيط الأمر له، أو فكّ شفرته، شارحًا أن المقصود بـ”ويزو” هو اسم الشهرة الخاص بالفنانة الكوميدية المصرية دينا محسن، وبـ”سكول” هو School أى مدرسة باللغة الإنجليزية، اندهش سائلًا ببديهية: “بالله عليك، ألم يكن عنوان مثل “مدرسة ويزو للغات” أفضل؟!”، فأكّدت له أن عنوانه أجمل للعين، وألطف للأذن، وأكثر اقترابًا منّا. بعدها، اشتكى صديق لى، يعمل مدرِّسًا للغة العربية، من عنوان فيلم (السيستم – 2024)، والمقصود الكلمة الإنجليزية System أى النظام، بعد إضافة ألف ولام التعريف العربيين عليها، وقال مُستنكِرًا: “فى العامية، يُدخِل الشباب الكلمة الإنجليزية على حروف عربية؛ لتولد ابنة سِفَاحِ شاذة، لا هى بالإنجليزية ولا هى بالعربية، وعندما تصبح بنات أفكارهم الشاذة هذه عناوين لأفلام تُعرض بكل مكان؛ فإن السينما تشرعن هذه الفعلة!”. وقريبًا، صادفت شابًّا وفتاة يتحدثان بخصوص عنوان فيلم (ريستارت – 2025)، والمقصود الكلمة الإنجليزية Restart أو البدء من جديد، وكيف طرح الشاب سؤالًا دار بخلدى قبلها بالفعل: “هل انعدم فى اللغة العربية، أو العامية المصرية، أى مُعادِل لهذا اللفظ؟!”، والحق أن هناك العديد من البدائل، الأكثر بلاغة وخفّة، لكن الكلمة الإنجليزية، المكتوبة بحروف عربية، صارت الأقرب لصنّاع الأفلام، أما محاولة ترجمة الكلمة، أو معناها؛ فباتت ارتقاءً بعيدًا عنهم، وتعبًا لا لزوم له!
بالنسبة لى، عنوان فيلم مثل (شوجر دادى – 2023) يصيبنى بالغثيان. لماذا تلجأ إلى مصطلح غربى، وتكتبه بحروف عربية، كى تواجهه جموع غفيرة من الناس، أظنهم غالبية جمهورك، ولا يفهموه؟ لِمَ تسعَ إلى كسب بعض المشاهدين، وخسارة الأكثرين، فى فن جماهيري بالأساس؟! هنا، صنّاع العمل يعيشون فى ثقافة غيّريّة، ويصدرونها إليك، ولا يهمهم إن فهمتها أم لا؛ وهذا تعالٍ عليك، قبل أن يكون اغترابًا عنك، وحتى لو قلنا إن بعض العناوين غير المألوفة قد تُكسِب المُشاهِد معلومة جديدة لم يعرفها سابقًا، فإن بإمكان الفنان تأدية ذلك الدور من خلال متن عمله الفنى، أما تأديته عبر العنوان فتحمل خطورة يمكن أن تؤذى هذا العمل؛ لأن اصطدام الجمهور بكلمات ترهق عينه، وتتحدّى عقله، قد تغضبه من العمل، وتصرفه عنه.
إن فى إمكان صنّاع هذه الأفلام إبداع 100 عنوان آخر تبلغنا معانيهم ذاتها، لكن بكلمات فصحى أو عامية، مُستقاة من ثقافتنا، وليست ثقافة غيرنا؛ فلا يمكن أن يكون البُعد عن لغتنا، التى هى لغة القرآن، بل لغة أهل الجنة، مع الارتماء فى أحضان لغة، أو لغات، أخرى—فعلًا صائبًا، لاسيما حينما يعم ذلك كالوباء، مُتكامِلًا مع صور غزيرة تفاقمت فى مختلف مناحى الفن والحياة فى بلدنا خلال السنوات الأخيرة، إلى الحد المزرى الذى جعل – كأمثلة بسيطة – أسماء محلاتنا التجارية باللغة الإنجليزية، إعلانات شوارعنا باللغة الإنجليزية، عناوين برامجنا – حتى فى التلفزيون القومى – باللغة الإنجليزية، أسماء العاملين فى أغانينا المُصوَّرة باللغة الإنجليزية، مُلصقات حفلات نجوم غنائنا باللغة الإنجليزية، منشورات صفحات التواصل الاجتماعى لفنانينا باللغة الإنجليزية، شبابنا لا يجد إلا الكلمات الإنجليزية أقرب للسانه من لغته الأم لوصف كل شىء؛ بالمناسبة، الجملة الأخيرة ليست معطوفة على ما قبلها، بقدر ما هى عاقبة له!
خلاصة الأمر أنه جزء من حالة انبطاح مُسيطِرة إزاء الثقافة الغربية، تُشعر العربى بتفاهة قِيَمه، وقلّة قيمته، أمام الغربى، لينساق وراءه، مُقلِّدًا إياه، فى انبهار دائم أقرب للعمى، وكما يقول ابن خلدون، المُفكِّر الإسلامى ومُؤسِّس علم الاجتماع، فى كتابه (المقدمة) سنة 1377: “المَغلوب مُولَع أبدًا بتقليد الغالِب”. وإذا ما كنا قد عشنا – يومًا ما – عصر ازدهار الفكر القومى، الذى هَدَف إلى جمع أهل “الوطن العربى” لتأكيد شخصيتهم، وتوحيد قواهم، وتحقيق مصالحهم، لاسيما بعد تحرُّرهم من المُستعمِرين، فإننا نعيش – اليوم – عصر انهيار الفكر القومى، وطمس الشخصية العربية، وتوحيد قواها لتحقيق مصالح المُستعمِرين الجدد. باختصار، المنبطحون المغلوبون ليسوا إلا ضحايا لأنظمة حاكمة منبطحة ومغلوبة، والمؤسف – بحق – عندما يكون الفنان ضمن هؤلاء الضحايا!
إن هذا الطفح الجلدى قبيح، وانتشاره يوكِّد ضعف جهازنا المناعى، ناهيكم عن أنه أول طفح جلدى يؤثِّر على المخ؛ فاستمراء هذه الكلمات، والإصرار عليها، إلى حد استبدالها بلغتنا؛ هى المصيبة التى تعزلنا عن جذورنا وأصولنا، لينحرف تفكيرنا وسلوكنا. قد تتهمنى بالمغالاة، والتشاؤم، لكنك ستتفق معى عندما أدعو هؤلاء الفنانين أن “يكلّمونا عربى”؛ لأننا عرب، والنبى عربى، ولأننا نريد فَهْم ما يقولونه، ولأننا نتمنى أن يكونوا جزءًا من الحل وليس جزءًا من المشكلة، ولأننا ننتظر منهم أن يعتزوا بتراثنا، ويصنعوا ثقافتنا، لا أن يعتزوا بتراث الغير، ويصنعوا ثقافة مُشوّهة.
**
ملحوظة: قبيل تسليم المقال للنشر، قرأتُ عن أفلام مصرية جديدة تُجهَّز للعرض، أو للتصوير، بعناوين: (سفن دوجز)، (الكراش)، (ريد فلاج)! .. رحم الله ابن خلدون، ورحمنا نحن أيضًا!