في القصة الأولى : الضئيل صاحب غية الحمام، نجح الكاتب في بناء عالم محكم للغاية ، فكرة التلصص وإضفاء صفة الغرابة أو اللا معقولية على بطل النص، الذي يهابه الجميع و يعملون له ألف حساب، رغم أنه في الواقع لا يعدو كونه أكبر من شخص بسيط صاحب غية حمام . لا تؤدي هذه الأساطير المُشكلة حوله إلا إلى قتله في النهاية، في محاولة للتخلص من تلصصه عليهم كما يدعون .
تُعد قصة للصمت للون أبيض، من قصص المجموعة المتميزة، وحقيقة لو كانت المجموعة لا تحتوي سوى هذا النص لكانت جديرة أيضا ً بالفوز . نص بالغ العذوبة البطل الأخرس والبطل الكفيف ، كلاهما يستمتع بالجمال و لا يمنعهما أي عائق حتى لو كانت أعاقتهما ، كل منهما يُكمل الآخر، يُعوض ما فُقد من الأخر، الأخرس يلتقط بعينه جمال الرسومات والكفيف يلتقط بأذنيه جمال النغمات، فبدا المشهد الأخير سيمفونية بالغة الرقة، مُشكلا ً لوحة جميلة تبعث على البهجة.
قصة بين يدي الخضر، ترصد الحالة الصوفية الوجدانية التي يعيشها المريدين في كنف شيخهم، سلط الكاتب الضوء على ما يعتمل داخل النفس البشرية من كُره وحقد، عبر شخصية جابر المريد الذي يتلقى العلم من شيخه، لكن داخله يود لو كان في نفس مكانته، يستولي الحقد على نفسه، فيقتل شيخه، ظنا ً منه أنه سيحصل على مكانته.
قصة النخلة محترقة، ينسج الكاتب فيها حالة لا يدرك القارئ إن كانت فانتازيا أو واقعية إلا مع انتهاء النص . الابن الذى يبحث عن النخلة لا يجدها، تتردد الأساطير حولها ، لكن لا أثر لها ، الحيلة التي لجأ إليها الكاتب في أإضافة السؤال والجواب ، أضاءت جوانب خفية في النص ، كانت ستظل مُظلمة و غير واضحة للقارئ لو لم يتم إضافتها .
في قصة النداهة ، استطاع الكاتب من خلال الاتكاء على الأسطورة الشعبية للنداهة أن يسرد حكايته التي تستند على الخرافة كُمبتدأ للحدث، البطلة التي تُخفي قبحها وراء جمال مُزيف لا يخطف الأبصار فقط أنما يخطف الرجال أنفسهم. حتى تصل للنهاية التي تطيح بكل أمال البطل للهرب من المصير المحدق به . و للحق جاءت النهاية مدهشة للغاية .
قصة تسلل، يتخذ الكاتب من فكرة الشيوخ الذين يتدخلون في حيوات الأخرين بحجة إصلاحهم وتهذيب نفوسهم منطلقا ً للحكي، الذي يقودنا للشيخ الذي يتسلل داخل نفوس سكان القرية باحثا ً عن عوراتهم ، لكنه لا يكتفي بذلك بل نجده يحاول مُعاقبتهم على ما أقترفوه من ذنوب ، فيحبسهم داخل قطعة أرض قاحلة لا تقربها الشمس ولا يزورها القمر. لكن الشيخ يصطدم بقلب الطفل النقي الذي يُنقذ اَباه و يكاد يقضي على أسطورة الشيخ، القصة مُلفتة و تحتاج لأكثر من قراءة .
قصة حسنة كبيرة أعلى الفخذ، ينسج الكاتب أسطورة ما، تحكي بأن ذلك العملاق الذى يعيش خلف الجبل يجب أن تمر عليه الفتيات قبل زواجهن ليفض بكارتهن قبل أزواجهن، و لن يواجهه سوى شاب لديه حسنة كبيرة أعلى الفخذ . بطل القصة يفاجأ يوم زفافه بأنه يملك هذه الحسنة ، لذا يسعى للتغلب على العملاق وهزيمته، لكنه يحتاج لمعونة أهالى قريته ، لكنهم يتخلون عنه . و ينتهي مصيره للموت . بناء القصة القائم على الأسطورة و الفانتازيا ، نجح في تشكيل حالة جميلة يعيشها القارئ .
قصة شطرنجية ، أحد أفضل نصوص المجموعة، هنا يُشكل الكاتب العالم من جديد على رقعة الشطرنج ، الأشخاص ما هم ألا قطع خشبية يحركها صاحب الرقعة . كل قطعة تحمل معنى ، تحوي بين ثناياها شخصا ً. الصراع الدائر على الرقعة بين الخصمين إشارة واضحة للصراع الدائر في الواقع . هذا النص يحمل العديد من الدلالات التي تحتاج لأكثر من قراءة .
جاء الغلاف الذي صممه الفنان عمرو الحو جميلا ً وألوانه متناسقة تماما ً و ُعبرا ً عن أجواء المجموعة و تحديدا ً قصة الضئيل صاحب غية الحمام .
المجموعة متميزة وجديرة بالقراءة و تُبشر بكاتب يعرف أدواته جيدا ً ، متمكن من السرد و الحكي بدرجة مدهشة .