د. شيخ محمود العفدل
دخل حبيب العيادة رفقة والدته المسنّة، ألقى التحيه بصوث ثقيل متقطّع، كان يبذل جهدا كبيرا ليلفظ الحروف من مخارجها فينجح في بعضها ويفشل في أخرى فتخرج كلماته غير مفهومه ، لكنّني أدركت مايريد قوله.
سألته عن إسمه فأتاني ردّان يرافقهما ابتسامتان: ها بي بيب ، ثم أردفت الأم: حبيب، اسمه حبيب يا دكتور، وقد قضى ليلة ثقيلة البارحة من وجع ضرسه.
حبيب شاب في الخامسة عشر من عمره، لطيف، هادئ، أنيق، يدخل القلب بلا استئذان، يرسم ابتسامة خجول مع كل حرف ينطقه،
حين أَمِنَ جانبي، رسم لي لوحة بديعة يظهر فيها منزل جميل أمامه حديقة يلعب فيها بضعة أطفال، فهمت بمساعدة الوالدة أن هذا كان منزلهما قبل أن تدّمره الحرب، الحرب الّتي لا ناقة لحبيبٍ فيها ولا جمل، حاولتُ جاهدا أن أمنع دموعي لكنّها خانتني كالعادة في مثل هكذا مواقف.
-ثمّ ماذا تجيد أيضا ياحبيب القلب؟.
– أعرف أغنّي يادكتور.
– سمّعْنا.!
– مو بعيدين الّلي يحب يندل دربهم، مو بعيدين الكمر حطّ بقربهم.
– إذن أنت عاشق ياحبيب؟!.
-بلى أنا أحبّ إخوتي في ألمانيا.
وهكذا حفلةٌ أخرى من الدموع قطعتها الممرضة بحزم وطلبت من حبيب الاستلقاء على كرسي المعالجة.
خُلِقَ حبيب بتملازمه داون وهو مرض خلقي يحدث نتيجة لتثلّث الصبغي رقم واحد وعشرون، حيث أننا نخلق بثلاثة وعشرين شفعا من الصبغيات ، ونولدُ بكلّ هذه القسوة والتوحّش ويولدُ حبيب وأمثاله بكلِّ هذا الجمال والبراءة.
حبيب ترك المدرسة لأنّ الطلاب والمعلمين يسخرون منه.
في كلية طب الأسنان حذّرونا كثيرا من صعوبة المعالجة السنيّة لهذا الصنف من المرضى، وصعوبة التعامل معهم، وعلّمونا بعض الإجراءات الّتي غالبا ماتكون غير مفيدة واقعيا، إلّا أنّ الأمر مختلف تماما مع حبيب، كان متعاونا، هادئا، مرتاحا ومريحا، أنجزتُ المعالجة بأقل ما يمكن من جهد عصبي وجسدي وبسهولة ويُسر، والفضلُ كلّه لحبيب.
………………
*قاص من سوريا