لنا أن نتساءل عن «البوح الأول» والموصوف أساسا، كما جرت العادة، بالإصدار الأول؟ أن يكون الأول «الأخير» شيء، وأن يتحول لمرثية فهذا المنحى الفجائعي، حتى لا نسمه البكائي يطفح بالعديد من الإرشادات النصية تشي باغتراب الشاعر عن عالم خط نهايته.
داخل فضاء سوداوي إلى حد كبير، تلتئم قصائد ديوان «مرثية البوح الأخير» لربط علاقة وجسر الشعر والغربة. غربة الشاعر في العالم وفي الشعر. وغربة الشعر في عوالم الشاعر الشعرية. غربة مضاعفة ومزدوجة تفتح حسا فجائعيا لكينونة الشاعر حيث لا تعمق القصائد إلا مزيدا من غربتها. إذ يهيمن حقل معجمي غاية في السوداوية. ويزيد الحقل الدلالي من رسم تلك المعالم الفجائعية. وإذا كانت هذه خطوة أولى وعتبة أولية لولوج معالم تجربة النص الشعري، وأمست لا تؤشر إلا على مزيد من الاغتراب وهذا التشظي الصارخ للذات يتشكل كوحدات قصيرة وقصائد اقرب للشذرية. وكأن لاشيء من مقولات النص الشعري قادرة على توصيف حالات الاغتراب أكثر من التكثيف. سواء عبر صيغ تركيبية تؤشر على دوال أكثر تجسيرا لعلاقات التقاطع الممكنة بين غربة الشاعر والعالم.
فهل نحن على بداية تأشير لانبثاق تجربة شعرية مغربية فجائعية بامتياز، انقطعت جذورها باالعالم؟ أم هو صدى لغربة الشاعر المغربي اليوم خصوصا أمام سيل من التحولات التي يعيشها بشكل متلاحق؟ أم لعلها لحظة انتقالية لانبجاس شعرية جديدة تؤسس للمستقبل؟ المنجز في النهاية هو الجواب.
حين لا يملك الشاعر إلا قصيدته، ولا يملك حينها إلا اللغة جسرا ل»واقع» جديد يشكله في المنتهى..يمكننا أن نتلمس سمات قصيدة تتجه للذات هذه المرة في شجونها واغترابها. هكذا يعرفنا الشاعر أنس الفيلالي عن نفسه، كشاعر يأتي من اغترابه المرير يخط مرثية الوقت المغربي ويعلن «أناه» في دوال تضمر في ثنايا المجازات الثاوية في القصائد «كينونة» حبلى بظمأ القصيدة لأنها ملاذها الأخير..
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
شاعر وناقد مغربي
خاص الكتابة