الشاشة الرئيسية والشاشة الفرعية

art
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

محمود لطفي*

أتذكّر حوارًا تلفزيونيًا للفنان محمود المليجي وهو يقول للإعلامي طارق حبيب: “السينما انتهت، تقدر تقول إنها خلصت.”

يُتداول حاليًا بين منتجي هوليوود مصطلح الشاشة الرئيسية والفرعية ومدى أهمية وضعها في الاعتبار أثناء كتابة فيلم أو مسلسل، ولكي نعرف ما هي الشاشة الرئيسية وما هي الشاشة الفرعية، دعونا نعود في البداية إلى عصر شرائط الفيديو.

في عصر شرائط الفيديو كانت الشاشة الرئيسية هي شاشة التلفزيون التي يُعرض عليها الفيلم، أما الشاشة الفرعية فهي شاشة صغيرة موجودة في جهاز الفيديو، يعرف من خلالها المشاهد كم من الوقت قد مرّ وكم يتبقى حتى ينتهي الفيلم.

أما الآن، في عصرنا الحالي، عصر المنصات، فقد اختلف الأمر.

أصبحت الشاشة الفرعية الآن هي شاشة التلفزيون أو الكمبيوتر الذي تشاهد الفيلم من خلاله، أما الشاشة الرئيسية فهي شاشة هاتفك الجوال.

فالإحصاءات تقول إن العديد من مشاهدي الأفلام على المنصات يستخدمون شاشة الجوال أكثر من مرة أثناء مشاهدتهم للفيلم أو المسلسل المعروض، ويتم اعتبار شاشة الهاتف هي الشاشة الرئيسية، لأنّه في حالة أن الفيلم الذي تشاهده عطّلك عن متابعة هاتفك، فسوف تقوم بإيقاف الفيلم، وإن حدث ذلك أكثر من مرة، ستغلق المنصّة تمامًا لأنها تُشتّت متابعتك لشاشة الجوال.

لذلك أصبح مطلوبًا من المخرجين صناعة أفلام غير معقدة، تستطيع متابعتها ومتابعة هاتفك في الوقت نفسه، لأنّ ذلك يضمن عدم إيقافك للفيلم، مما يؤدي إلى الحفاظ على مشتركين المنصّة.

أصبح المطلوب من صُنّاع الأفلام الآن فيلمًا تستطيع سماعه كبرنامج إذاعي دون مشاهدته، وعالمًا لن تنبهر عينك به أو يتخطّى خيالك، وقصة غير معقّدة لا تتطلّب أي تفكير.

باختصار، منتجو هوليوود يريدون أفلامًا يستطيع المشاهد مشاهدتها وهو يكتب رسائل على واتساب أو يشاهد فيديو على تيك توك، حتى يظلّ المشاهد لأطول وقت ممكن داخل المنصّة.

حين قال محمود المليجي في لقاء تلفزيوني ١٩٧١ إن “السينما انتهت”، لم يكن يقصد موتها المادي، بل ربما كان يستشعر تغيّر جوهرها الإنساني — ذلك الحسّ الجمعي الذي جعل من الشاشة الكبيرة تجربة وجودية.

ومع ذلك، لا ينبغي أن نعلن الحداد على السينما، فهي — رغم عمرها القصير، قرابة 130 عامًا فقط — ما تزال فنًّا فتيًّا أمام تاريخ المسرح والموسيقى اللذين وُجدا منذ آلاف السنين.

كل جيل يظن أن السينما انتهت، ثم تولد من جديد.

ربما تموت السينما التجارية، وربما تتغيّر أشكال العرض، لكن الفنّ الحقيقي لا يُختصر في شاشة أو خوارزمية.

فما دامت هناك عيون تبحث عن معنى، وعقول تحلم بصورة أكبر من الواقع، ستظل السينما حيّة — رغم كل المنصّات، وكل الخوارزميات، وكل ما يُجبر الأفلام على ألّا تكون أفلامًا.

………………….

*صانع أفلام مصري

مقالات من نفس القسم