محمد العنيزي
مع إطلالة كل صباح تبدأ علاقتنا بمساحة مكانية نطلق عليها اسم الشارع.. نفتح أعيننا.. نخرج من الضوء الخافت في البيت إلى أشعة الشمس التي تفاجئ أعيننا بقوة سطوعها.. فندرك أننا في الشارع.
تقع أعيننا على البيوت المتراصة والممتدة حتى نهاية الشارع.. والنوافذ التي تفتح شبابيكها لاستقبال الضوء..
نصادف الوجوه التي تمر كعادتها كل يوم عبر الشارع.. نلقي التحية المعتادة.. ونتبادل عبارات تعودنا أن نقولها كل صباح.
الشارع حكاية كبيرة.. أبطالها أناس يعيشون في بيوت متجاورة.. في كل بيت حكاية.. وخلف كل باب أسرار.. في النهار تفتح البيوت أبوابها.. وعند حلول الظلمة تلج المفاتيح في الأقفال.
في الشارع تولد الحكايات وتتناسل.. ونحن نمارس حياتنا بتفاصيلها.. نتقابل ونفترق.. نتخاصم ونتصالح.. نحب ونكره.. نفرح فنقيم الأعراس ونعلق أضواء الزينة في الشارع.. نحزن لموت الأحبة فنقيم الشادر في الشارع ونستقبل المعزين.
من الشارع ننطلق.. ونمضي إلى وجهتنا.. الشوارع تفضي إلى بعضها.. تتوازى.. وتتقاطع.. كل شارع يفضي إلى الآخر.. حياتنا شوارع مفتوحة على بعضها.. وفي الشوارع طرقات تحصي خطواتنا.. خطوات تمضي.. خطوات تجيء.. و خطوات تدق اسفلت الشوارع مسرعة.
في الشارع يمارس الصغار ألعابهم المتوارثة.. ويمضون أوقات الطفولة والشقاوة.. يرسمون على الجدران أحلامهم.. و يطاردون بعضهم راكضين بفرح.. حتى يسرق الزمن طفولتهم.. فيكتبونها ذكريات في الدفاتر.
من الشارع نعبر إلى المدرسة لنتلقى أبجديات العلم.. وفي الشارع يوجد الفرن.. ومن الفرن تنبعث رائحة الرغيف..
في الشارع نسترق النظرات.. نستمع إلى الأحاديث.. ندون في الذاكرة.. نركن إلى طاولة المقهى.. نحكي ونثرثر.. نلعن الساسة والحكام.. ونصب غضبنا على الذين سرقوا أموال الدولة.. نتحسر على أوضاع البلاد.. ونطالع الصحف اليومية المنتشرة في الأكشاك والمكتبات..
من الشارع تشتعل الشرارة.. يتزاحم المتظاهرون.. تعلو الهتافات.. ينفجر الغضب.. وينطلق البركان.. تنتصر إرادة الشعب.. تسقط حكومات الطغيان.. وترتفع رايات النصر فوق الأبنية..
حياتنا شارع طويل.. مليء بالتفاصيل.. ونحن العابرون من الشارع.. نحمل الحزن والفرح.. والأسئلة التي تؤرقنا.