صفاء النجار
الإنتاج السينمائـى خلال فترة الستينيات اعتمد على تدعيم أسطورة البطل النجم الذى يملك وحده مفتاح الحل.
فى الستينيات بدأ المنعطف الأهم فى تاريخ السينما المصرية، حيث أُنشئت المؤسسة المصرية العامة للسينما لإنتاج الأفلام الروائية الطويلة، وهو ما يعنى تدخل القطاع العام فى الإنتاج، وتعددت فى هذه المرحلة أشكال ملكية المؤسسة للمنشآت السينمائية، كما تعددت الهياكل الإدارية وأشكال الإنتاج، مما أدَّى إلى انخفاض متوسط عدد الأفلام من ٦٠ إلى ٤٠ فيلمًا فى السنة، كما انخفض عدد دور العرض من ٣٥٤ دارًا عام ١٩٥٤ إلى ٢٥٥ دارًا عام ١٩٦٦.
اتسم الإنتاج السينمائى خلال الستينيات، بعدة سمات أكدت سيطرة مفهوم السينما التقليدية والتى كانت لها عدة ثوابت أهمها ما يلى:
١- الوحدة الفنية للفيلم، تقوم على اعتبار الحدوتة المسلية تتمتع بأكبر قدر من التشويق والمآسى والضحكات.
٢- اعتماد الحل الجبرى الذى يعتمد على المصادفة وتدخل الغيب.
٣- تدعيم أسطورة البطل النجم الذى يملك وحده مفتاح الحل.
٤- اعتماد التقسيم الأخلاقى للبشر، باعتبارهم أشرارًا أو أخيارًا.
٥- تهميش الصورة وجعلها تابعًا للموقف الدرامى أو لمضمون الحوار زمانًا ومكانًا.
ورغم هذه الرؤية النمطية، فإن هذه السينما استطاعت فى الستينيات، أن تقدم عددًا مهمًا من الأفلام التى تناولت قضايا حقوق الإنسان السياسية، وقد تناولت هذه الأفلام قضايا:
حق الشعوب فى تقرير مصيرها.. ظلت قضية حق الشعوب فى تقرير مصيرها، تثير اهتمام السينما المصرية فى الستينيات، فقدمت ستة أفلام تتناول هذه القضية من أوائل الستينيات حتى عام ١٩٦٦. من بينها أربعة أفلام عادت إلى الماضى القريب قبل قيام ثورة يوليو، واتخذت من قصة كفاح الشعب المصرى لنيل حقه فى الاستقلال، مادة لها، وهناك فيلم عاد إلى العصور البعيدة، وبالتحديد عصر المماليك، وفيلم اتخذ من نضال الشعب العربى فى المغرب، مادته لتأكيد حق الشعوب فى تقرير مصيرها، وهذه الأفلام هى: «فى بيتنا رجل» إخراج بركات ١٩٦١، و«لا وقت للحب»، إخراج صلاح أبوسيف، ١٩٦٣، و«القاهرة ٣٠» سيناريو صلاح أبوسيف ١٩٦٦، و«الجزاء» إخراج عبدالرحمن الخميسى ١٩٦٥.
وفيلم «المماليك» إخراج عاطف سالم ١٩٦٥، ويمتد الوعى بالحق فى تقرير المصير إلى الوطن العربى، لنرى فيلم «الاستعباد» إخراج يوسف وهبى عام ١٩٦٢، عن كفاح الشعب المغربى فى أثناء الاحتلال الإسبانى للمغرب.
واستمرار السينما فى تقديم قضية حق الشعب فى تقرير مصيره، على الرغم من حصول مصر على استقلالها، يدل على سيطرة فكرة أولوية الحقوق الجماعية على الحقوق الفردية.
القضية الثانية من حقوق الإنسان السياسية التى تناولتها سينما الستينيات: «قضية الاعتقال والتعذيب والمعاملة اللا إنسانية أو الحاطّة بالكرامة»، وللتعبير عن هذه القضية لجأت السينما إلى استلهام الماضى بتقديم قصص تدور أحداثها قبل الثورة، مثل فيلم «ثمن الحرية»، إخراج نور الدمرداش ١٩٦٤، وفيلم «الزوجة الثانية» إخراج صلاح أبوسيف ١٩٦٧، و«غروب وشروق» إخراج كمال الشيخ ١٩٦٨، فيلم «يوميات نائب فى الأرياف» إخراج توفيق صالح ١٩٦٩، فيلم «حكاية من بلدنا»، إخراج حلمى حليم ١٩٦٩.
ولجأت السينما المصرية فى أحيان أخرى إلى الأدب العالمى، مثل فيلم «أمير الدهاء»، إخراج بركات ١٩٦٤. ولجأت إلى الرمز فى فيلم «شىء من الخوف» ١٩٦٨، إخراج حسين كمال، وفيلم «المتمردون» إخراج: توفيق صالح ١٩٦٨.
كما تناولت السينما لأول مرة موضوع العزل السياسى، أى المنع عن المشاركة السياسية، سواء بمنع الحق فى الترشح أو بمنع الإدلاء بالصوت فى الانتخابات، من خلال تقديم بعض الشخصيات التى تعرضت للعزل السياسى، فى أفلام «السمان والخريف» إخراج حسام الدين مصطفى ١٩٦٧، فيلم «ميرامار» إخراج كمال الشيخ ١٩٦٩.
وإذا كان عام ١٩٦٧ يمثل علامة فارقة فى تاريخ مصر والعالم العربى، فإن عام ١٩٦٨ يعتبر من الأعوام الفارقة فى تاريخ السينما فى مصر والعالم. ففى مصر ظهرت جماعة السينما الجديدة التى أعلنت عدم رضاها عن السينما التقليدية السائدة فى مصر.
وقد رأى رواد جماعة السينما الجديدة «أن مشكلة السينما فى مصر ترجع إلى قِصر مفهوم السينما لدى السينمائيين، فمعظمهم لم يدخل السينما كى يعبر عن أفكار معينة، أو لكى يحقق شكلًا فنيًا معينًا».
وحددت الجماعة أهدافها فى البيان الذى أصدرته فيما يلى: «نريد سينما مصرية، أى سينما تتعمق حركة المجتمع المصرى، وتحلل علاقاته الجديدة، وتكشف عن معنى حياة الفرد وسط هذه العلاقات، بحيث إذا ما دخل واقعنا فى علاقات أخرى أكثر تطورًا تطورت معه السينما، وكشفت مرة أخرى عن الإنسان المصرى فى كل مرحلة تالية..».
وقد كان لجماعة السينما تأثيرها فى الحراك السينمائى الذى شهدته مصر فى السبعينيات.
وللحديث بقية..