الشاعرة الهندية: كمالا ثريّا
ترجمة: نزار سرطاوي
في أيام الطفولة
كنت وشقيقي
دائماً نلعب على الرمال
نرسم طيوراً وحيوانات
قالت جدتنا الكبرى ذات يوم:
أتريان بيتَنا هذا
الذي يبلغ عمره الآن ثلاثمائة سنة،
انه يتناثر قطعاً صغيرة
أمام أعيننا
الجدران متصدعةٌ ومشققة
ورطبةٌ من أثر الأمطار،
البلاط متناثرٌ هنا وهناك
النوافذ تئنّ وتتأوه
وكل ليلة
تخرج الفئران من الجحور
وتفرّ هاربةً من أبوابنا.
مَزارُ الثعاببن مظلم تملأه الأعشاب
***
وجميع الثعابين-الآلهة في المزار
تعلو قلانِسَها الأشنات.
وأردفت باكيةً: آه كم يؤلمني هذا،
ومسحت عينَها التي اعتراها الاحمرار
فأنا أحبّ هذا البيت، وكم يؤلمني
أن أشاهده يموت.
قلت: عندما نكبر،
وأصبح ثريّةً جداً جداً
سوف أعيد بناء الجدران الساقطة
وأجعل هذا البيت العتيق جديداً.
لمَسَتْ جدّتي الكبرى
وجنتيَّ وابتسمت.
كانت حقاً بسيطة.
وقد تغذّت على الإله لسنوات
كانت موائدُها جميعاً متشابهة
فالطبق الوحيد دائما هو الإله
والباقي مجرد توابل.
حدثتنا كيف أنها كانت تركب فيلَها
وهي في العاشرة أو الحادية عشرة من عمرها
كلَّ يوم اثنين بلا انقطاع
إلى مزار سيفا
وتعود إلى المنزل مرة أخرى
وحدثتنا عن صندوق المجوهرات
والديباج من الشمال
والعطور والزيوت
والصندل لثدييها
وزواجها من أميرٍ
أحبها بعمق لمدة سنة قصيرة رائعة
ومات بالحمى بين ذراعيها
أخبرتنا
أن دماءنا كانت أعرق الدماء
شقيقي وهي وأنا
أعرقُ الدماءِ في الدنيا
دماءً رقيقةً صافيةً نقيّة
بينما في عروقِ أولئك الذين هم دائماً فقراء
وفي عروقِ
الرجال الحديثي الثراء
كانت الدماء تتدفق كثيفةً كالثريد
موحلةً كالخندق.
…
أخيرا استلقتْ على فراش الموت
في عامها السادس والثمانين
امرأة أنهكتها التسوية
ساقاها مبتليان بالتهاب المفاصل
وليس ما يمنحها الراحة
إلا السعال الصعب
نظرتُ عميقاً في عينيها
عينيها المسكينتين الغائمتين
ودعوت أن لا تحزن
كثيراً على البيت.
كنت قد تعلمت بحلول ذلك الوقت
معظمَ دروس الهزيمة،
واكتشفت أن الوصول إلى الثراء
عمل شاقّ.
البيت كان يزحف
على مرفقيه في ذلك الحين،
وظهر في تلك الليلة في القمر الشاحب
بشعاً جداً ومليئاً بالحياة.
عندما أحرقوا جدتي
على قُضُبٍ من شجر المانجو
ألقيت نظرةً على البيت
ثم نظرةً أخرى وأخرى
فقد خُيّل إليّ أن النوافذ تنغلق
مثل إغماض العينين
خُيّل إليّ أنني أسمع الأعمدة تئنّ
والغرفَ المظلمةَ تطلق آهة.
رحلت مرة أخرى
إلى مدن أخرى،
غادرت البيت والضريح
والرمال
والشجيرات المزهرة
والفم الواسع المسعور لبحر العرب.
î î î
أعلم أن الفئران تتراكض الآن
عبر الأروقة المظلمة
فهي لا تخشى الأموات
أعلم أن النمل الأبيض قد وصل إلى بيتي
وقد زرع على الجدران
طواطم غريبة لدفن الموتى.
في الليل، في السكون،
من كل بلدة أسكنها
أسمع حشرجة موتها
ضجيجَ العوارض الخشبية وهي تَئِنْ
ونحيبَ النوافذ.
لقد خذلتكَ
أيها البيت القديم، وأطلب منكِ العفو
يا أمَّ أمِّ أمّي
لقد انتزعتُ روحكِ
مثل البذرة من الفاكهة
وقذفتُ بها في محرقتك
قولي إنني متحجرة القلب
قولي إنني أنانية
لكن لا تلقي باللوم على دمائي
الرقيقةِ الصافيةِ النقية
أعرق الدماء في العالم
دماءٍ تتذكر حين تتدفق
كلّ الأحجار الكريمة وكلّ الذهب
وكلّ العطور والزيوت
والركوب المهيب
على ظهر الفيل…
Blood!!!
Kamala Surayya
When we were children
My brother and I
And always playing on the sands
Drawing birds and animals
Our great-grandmother said one day,
You see this house of ours
Now three hundred years old,
It’s falling to little bits
Before our very eyes
The walls are cracked and torn
And moistened by the rains,
The tiles have fallen here and there
The windows whine and groan
And every night
The rats come out of the holes
And scamper past our doors.
The snake-shrine is dark with weeds
And all the snake-gods in the shrine
Have lichen on their hoods.
O it hurts me she cried,
Wiping a reddened eye
For I love this house, it hurts me much
To watch it die.
When I grow old, I said,
And very very rich
I shall rebuild the fallen walls
And make new this ancient house.
My great-grandmother
Touched my cheeks and smiled.
She was really simple.
Fed on God for years
All her feasts were monotonous
For the only dish was always God
And the rest mere condiments.
She told us how she rode her elephant
When she was ten or eleven
Every Monday without fail
To the Siva shrine
And back to home again
And, told us of the jewel box
And the brocade from the north
And the perfumes and the oils
And the sandal for her breasts
And her marriage to a prince
Who loved her deeply for a lovely short year
And died of fever, in her arms
She told us
That we had the oldest blood
My brother and she and I
The oldest blood in the world
A blood thin and clear and fine
While in the veins of the always poor
And in the veins
Of the new-rich men
Flowed a blood thick as gruel
And muddy as a ditch.
Finally she lay dying
In her eighty sixth year
A woman wearied by compromise
Her legs quilted with arthritis
And with only a hard cough
For comfort
I looked deep into her eyes
Her poor bleary eyes
And prayed that she would not grieve
So much about the house.
I had learnt by then
Most lessons of defeat,
Had found out that to grow rich
Was a difficult feat.
The house was crouching
On its elbows then,
It looked that night in the pallid moon
So grotesque and alive.
When they burnt my great grandmother
Over logs of the mango tree
I looked once at the house
And then again and again
For I thought I saw the windows close
Like the closing of the eyes
I thought I heard the pillars groan
And the dark rooms heave a sigh.
I set forth again
For other towns,
Left the house with the shrine
And the sands
And the flowering shrubs
And the wide rabid mouth of the Arabian Sea.
* * *
I know the rats are running now
Across the darkened halls
They do not fear the dead
I know the white ants have reached my home
And have raised on walls
Strange totems of burial.
At night, in stillness,
From every town I live in
I hear the rattle of its death
The noise of rafters creaking
And the windows’ whine.
I have let you down
Old house, I seek forgiveness
O mother’s mother’s mother
I have plucked your soul
Like a pip from a fruit
And have flung it into your pyre
Call me callous
Call me selfish
But do not blame my blood
So thin, so clear, so fine
The oldest blood in the world
That remembers as it flows
All the gems and all the gold
And all the perfumes and the oils
And the stately
Elephant ride…
————————————
تعتبر الشاعرة الهندية كمالا ثريا (أو كمالا داس، وهو الاسم الذي عرفت به قبل أن تعتنق الإسلام) واحدة من أبرز شاعرات الهند اللواتي يكتبن باللغة الإنجليزية، ولشعرها تأثير كبير على الشعر الهندي باللغة الإنجليزية. نالت العديد من الجوائز على أعمالها الشعرية كما رُشحت لجائزة نوبل عام 1984.
ولدت كمالا في ولاية كيرالا في 31 آذار / مارس عام 1934. كان والدها رئيس تحرير لصحيفة واسعة الانتشار، أما والدتها فكانت شاعرة معروفة. تلقت كمالا تعليمها في المنزل، وتزوجت ولم يتجاوز عمرها 15 ربيعاً. لكنها بدأت الكتابة بعد ذلك بكثير.
أتقنت كمالا داس اللغتين الإنجليزية والمالايالامية، وكتبت الشعر والرواية والقصة القصيرة باللغتين. وقد كانت كتاباتها، وحياتها نفسها، محل جدل واسع. وحين كتبت سيرتها الذاتية قصتي (1974)، صدمت صراحتُها الكثيرين خصوصاً بسبب حديثها عن تجاربها مع رجال مختلفين.
في عام 1999، اعتنقت كمالا داس الإسلام لأنها رأت أنه الدين الوحيد الذي يمكن أن يوفر الحب والحماية للمرأة. وكما كان متوقعا، فقد تسبب تحولها هذا في حدوث ضجة كبرى نظراً لكونها ناشطة سياسية بارزة.
من أعمالها المشهورة: الأحفاد (1967)، الصيف في كالكوتا (1974)، أبجدية الشهوة (1977)، الروح وحدها تعرف كيف تغني (1996)، يا الله (1999). وقد نقل الشاعر والمترجم الإماراتي د. شهاب غانم ديوانها يا الله إلى العربية تحت عنوان رنين الثريا.
توفيت كمالا في 31 أيار / مايو عام 2009.