أخيرًا وبعد خمسين عامًا من موتها المفاجئ، يخرج جولستان المنعزل عن صمته، متحدثًا عن علاقتهما الجدية، واصفًا إياها بالشاعرة التي كتبت بصدق عن أكثر المشاعر الإنسانية جوهرية.
فرخزاد واحدة من أكثر الوجوه المحببة في الأدب الإيراني الحديث في القرن الماضي، عرفها الغرب جيدًا، عرفت بكتاباتها الصريحة المتحدية لحدود السلطة الأبوية في المجتمع الإيراني، ودائما ما تمت مقارنتها بسلفيا بلاث.
تزامنت علاقتها بجولستان، الكاتب الغامض، بفترة كتابتها لبعض من أهم كتاباتها، لم يعرف إلا القليل عن لقاءات حبهما، ويعتقد الكثيرون أن مشاعر فرخزاد كانت غير متبادلة. وفي مقابلة نادرة بقصره الفاخر على الطراز الفيكتوري بقرية بوليني، المزين ببعض لوحات لأهم الفنانين الإيرانيين، اعترف جولستان أن علاقتهما كانت متبادلة..” أنا آسف أنها ليست موجودة كل هذه السنوات..طبعا هذا واضح”، وأضاف ” كنا مقربين جدًا، لكني لا أستطيع قياس مشاعري تجاهها، هل أستطيع؟ بالكيلومترات؟ بالأمتار؟”.
مهدي جامي الذي كتب بشكل موسع عن تأثير فرخزاد الكبير على الأدب الفارسي، قال إن للمخرج تأثير كبير على كتابتها، خصوصًا في تقديمها إلى حركة الأدب الحديث في الغرب ” إن أردنا تسمية شخص كان له بالغ الأثر على فروغ، فسيكون إبراهيم جولستان، لقد التقيا بعضهما البعض في الوقت المناسب تمامًا”. يقول جامي إن لكل ثقافة رمز ثقافي، فمثلما هناك شكسبير في بريطانيا، هناك فروغ فرخزاد في إيران الحديثة، إنها واحدة ممن شكلوا هويتنا الثقافية المعاصرة، وأضاف ” لقد كتبت بطريقة بسيطة وحميمية، كانت حقيقية وكذلك كان شعرها، كانت آخر نبي يكشف الحقيقة عرفته بلادنا”.
محمد رضا الشفيعي الكدكني، أشهر الشعراء الإيرانيين على قيد الحياة، قال للجارديان من طهران، إنها كانت ” حداثية بامتياز”، دون الحديث بشكل مباشر عن الحداثة في شعرها “كانت طبيعية جدًا، وكانت مثالاً للشاعر الحقيقي في زمانها”، وأضاف” كانت بلا أقنعة، ولهذا لا نزال نقرأ شعرها حتى اليوم، وسنظل نقرؤها في المستقبل أيضًا”.
يحكي جولستان أن صديقين قدماه إلى فروغ في أواخر الخمسينيات، كانت هي تبحث عن عمل، وكان هو وقتها يدير ستديو شهيرًا في داروس؛ منطقة ثرية شمال طهران. بعد سنوات من مقتل فروغ غادر جولستان إيران، بسبب استيائه من المناخ السياسي تحت حكم الشاه، وعاش في ساسكس منذ العام 1975، ولم يعد إلى بلاده قط.
قرر جولستان منح الشابة فروغ وظيفة عاملة تليفون في مكتب يعمل به أربعون مصورًا، قبل شهور من تطور علاقتهما، على رغم أن جولستان كان متزوجًا في ذلك الحين. أما فروغ التي تزوجت في سن السادسة عشرة، فقد انفصلت بعد أربع سنوات.
يعترف جولستان أنه أحب الكاتبة الشابة مثلما أحب زوجته، التي كانت تعلم بعلاقتهما ” تخيل أن لديك أربعة أبناء، هل ستتوقف عن حب أحدهما لأنك تحب الآخر؟ تستطيع أن تحمل مشاعر لكليهما، تستطيع أن تحب شخصين”.
نشرت الباحثة الإيرانية فرزانه ميلاني مؤخرًا كتابًا عن الرسائل غير المنشورة التي أرسلتها فروغ لإبراهيم، بإذن من المفكر نفسه، كاشفة للمرة الأولى عن الطبيعة الحميمة لعلاقتهما.
في واحد من تلك الخطابات التي يعتقد أنه كتب قبل عام من وفاتها، أرسلته من لندن، حيث كانت في زيارة لها، كتبت فروغ ” شاهي (اسم التدليل لجولستان) أنت أعز ما لديَّ في الدنيا، أنت الوحيد الذي أستطيع أن أحبه، شاهي، أحبك، أحبك إلى حد أنه يرعبني ماذا قد أفعل إن اختفيت فجأة.. سأصير بئرًا فارغة”.
واجه جولستان انتقادات لعدم نشره ردوده على رسائلها، وعندما سئل عن ذلك أجاب بأنه لا يملك هذه الرسائل ” عندما تكتب رسائل لأحد هل تفكر في المستقبل وفي الاحتفاظ بها؟ أو تصنع نسخًا منها؟”.
فاطمة شمس، الشاعرة وأستاذة الأدب الفارسي الحديث في جامعة بنسلفانيا، قالت إن شعر فرخزاد كان ينظر إليه على أنه شعر ثوري، لذلك ظل مخفيّا ” كنت في الخامسة عشرة عندما عثرت لأول لمرة على نسخ من دواوين فروغ، بين كتب قديمة كانت لأمي، كانت في قبو منزلنا لفترة طويلة، لم يكونوا على الرف كبقية الكتب في الدور العلوي، بدأت بتهريب نسخ الأوفست هذه إلى حجرتي” وتضيف فاطمة ” لم أتعلم فن أن تكون شغوفًا وفخورًا بالحب من شعر عمر الخيام أو شعر حافظ، تعلمت ذلك من فروغ، هي التي كتبت (الحب البلا خجل يتجاوز كل الحدود) “.
فروغ نفسها ألمحت إلى ذلك، حين وصفت شعرها بأنه ” ضرورة حيوية بقدر الأكل والنوم، إنه شيء مثل التنفس!”. أما جولستان فيصف شعرها بأنه ” متوافق مع المشاعر البسيطة للناس”، مقللاً من تأثيره هو شخصيًّا على شعرها ” كانت متأثرة بجهودها ومساعيها الخاصة، كما لو كانت طالبة، إنها صاحبة التأثير الأكبر على نفسها، لم أرها قط وقد فترت همتها، أو قدرتها على الإنتاج، كانت هكذا بطبيعتها”.
________________________________________-
*نُشر في الجارديان 15 فبراير 2017