الثالثة والثلاثون

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

في الثالثة والثلاثين وثلاثة أشهر..

أحاولُ تذكّرَ كيف كان يبدأ يومي في (السيدة زينب)،

وكيف تنشأ من العدم ضوضاء الصبْح:

ناقوس الشاي بالحليب الذي يدقّ،

والساعة التي تعلن العاشرة، أو الحادية عشرة،

وصياح طفل أو اثنين في الحارة،

وصوت مذيعة الراديو،

وخرفشات الأرانب ربيبة جدتي،

وأنا أنهض من رحمٍ خشنٍ بنيّ اللون،

مزخرفٍ بالشمس،

وليدًا لديه من الزمن ثماني سنوات.

*  *  *

في العشرين

-وبأسلوب بدء الحركة الثانية من تاسعة بيتهوفن-

يتحد رنين ملعقة الشاي،

مع دقات الساعة،

مع الصياح والصوت..

وتصحبه الخرفشة..

ويتعالى كل ذلك إلى ذروة،

ثم ينفجر رقصةً.

في العشرين تعلمتُ البكاء كرد فعل أوّلي على ما لا أفهمه،

لكنه يهدمني.

*  *  *

في الثلاثين تعلمتُ كيف يكون الإنسان شِطرًا،

-على طريقة إيتالوكالفينو-

أو كيف يكون خاويًا من المركز

-على طريقة دريدا-

وقررتُ الفرار.

*  *  *

في الثالثة والثلاثين أنام كثيرًا،

كثيرًا جدًا بفعل المنوّم،

الذي قالت لي (فاطمة) : “لا تعتمد عليه وإلا صرتَ كائنًا ساهدًا”

لكنني أدمنتُ انسحاب الوعي الذي يعذبني،

وصرت أحلم كثيرًا جدًا بفعل مضاد الاكتئاب،

أحلم بأن أبي لم يزل حيًا،

ولم يزل مريضًا،

وأن قدمي المكسورة تؤلمني،

وأنني أخجل من ألا أحمله حملاً رغم الحطام،

حطامي، وحطامه،

عَظْمَةٌ منكسرة تحمل عظْمةً مُسَرْطَنَةً.

أنظر لأمي في رعب،

ولا أعرف ماذا أقول..

أقول أن هذا حلم،

حلم،

استيقظْ يا أيها.

وأفتحُ عينيّ فجأة، وأنظر عبر الظلام بين النافذة والدولاب،

وأقول:

أنا في أوروبا،

في أوروبا،

وهو في الأرض.

*  *  *

في الثالثة والثلاثين تعلمتُ الرحيلَ،

والوحدةَ،

وانقطاعَ الأحبّة.

#

Köln

26.2.2015

 

مقالات من نفس القسم