فرضت هذه المادة عن التنين نفسها انطلاقًا من حالة احتياج شعورية عميقة. نادرًا ما تقبلت الأسماء التي يتم إلصاقها كالوصمات بالأشياء أو اللافتات، وأعتقد أن هذا الاتجاه من ناحيتي واضح في كتبي. لا أستطيع أن أتخيل لماذا ينبغي علينا دائمًا أن نتحمل ما يجيء إلينا من الماضي، أو من أي مكان آخر. ولذلك أطلقت على الكائنات التي أحبها أو أحببتها أسماء مستمدة عن مواجهة أو تفاعل، تطابق بين الشفرات السرية. وهكذا أصبحت النساء أزهارًا، أو طيورًا أو حيوانات غابة. كان هناك الأصدقاء الذين تغيرت أسماؤهم كلما أخذت دورة الطبيعة مجراها: أصبح الدب قردًا، والمرأة ذابلة العينان باكورة سحاب، ثم غزالة وأخيرًا يبروح[1]. على أية حال، دعنا نرجع إلى التنين. عندما ما رأيته منذ عامين يصل إلى “روكامبرون”، جديد من المصنع، بوجهه الأحمر العريض، وعيون متلألئة منخفضة، وهواء خلفي متبجح مستأسد، شيء ما بداخلي راح يطلق نبضات خاصة وأصبح متطابقًا والتنين، وليس مجرد أي تنين قديم أو عجوز لكنه فافنر الذي كان يحرس كنز “نيبيلجين[2]” والذي، طبقًا للأسطورة وفاجنر، وحشي قاس وغبي لكن دائمًا ما استثار تعاطفًا خفيًا في داخلي، ربما لأنه محكوم عليه بالموت على يد “ديجفريد[3]“. أنا لا أسامح الأبطال الذين يقومون بهذا النوع من الإنجازات: منذ ثلاثين عامًا مضت وأنا لا أستطيع أن أسامح “ثيسيوس” لقتله المينتور (قمت اليوم فقط بالربط بين هذين البطلين وهاتين الحادثتين).
“في تلك الظهيرة على وجه التحديد كنت مشغولاً جدًا بالمشاكل التي كانت ستحدث عندما حاولت تغيير ناقل السرعة والمناورة حيث وجدت التنين أكثر ارتفاعًا وعرضًا من سيارتي “الرينو” الصغيرة القديمة. الآن يبدو واضحًا لي أنني فقط أطعت الغريزة أو الفطرة التي دائمًا ما تقودني للدفاع عن هذه العادات والتقاليد والنظم المتبعة والتي هي بمثابة الوحوش والمسوخ، أطعت الغريزة في مجاراة الآخرين لاقتناء الأحدث بأسرع ما يمكن.
إلا أنني في غضون يومين أو ثلاثة صرت صديقًا للتنين. أخبرته بأنني طالما كنت في حالة قلق لأن اسمه لم يعد يدعى فولكس فاجن. كان الشعر، وكما هو في أحيان كثيرة محقًا في مراميه، لأنه عندما ذهبت إلى الجراج لتثبيت لوحة الأرقام المعدنية عليه ورأيت الميكانيكي يُسمِّر حرف “F” كبير على مؤخرة فافنر، كنت متأكدًا أن حدسي القوي كان صحيحًا. وحتى إن كان الميكانيكي يقصد أن “F” رمزًا كبيرًا لفرنسا، فإن التنين نفسه على دراية تامة بحدسي. في طريق عودتنا إلى البيت أظهر لي كم كان مبتهجًا بحماس غير عادي لصعوده الرصيف وترويعه للحصيفات من ربات البيوت المُحمّلات بسِلال التسوق.
*من كتاب: “حول اليوم في ثمانين عالمًا“.