كنت متعبا جدا بسبب قوة أشعة الشمس ، لكنني تحاملت على نفسي ، توجهت إلى مؤخرة القطيع ، وبدأت أدفع الأغنام للخروج والصعود الى أعلى ، الى الصحراء الواسعة ، بدأت الأمور تسير كما أريد ، وتوجه الحشد الحيواني الرائع نحو منصة الخروج ، وهو منحدر يشبه البوابة ، وبدأت الحيوانات وبالذات الخراف والشياه تصعد فعلا الى الاعلى في منظر مهيب و مبهج ونبيل ، بينما كانت فئة التيوس والماعز تقوم في الطريق للصعود ، بحركات مشاغبة ورقص ليس لها داع ، ولم أكن في حالة تسمح بتقبلها ، وفي واقع الأمر ، أرى أن الشبع أصابها بنشوة جعلها تأتي بحركات تشبه الرقص ، وهي في نهاية الأمر حيوانات ، علينا أن نصبر عليها قليلا، هكذا حدثت نفسي ، وأنا أحاول قيادتها برفق نحو الأعلى .
لكن هذه الحركات غير المقبولة من التيوس بالذات ، أبطأت من عملية النفير ، وأفسدت خارطة الطريق ، للخروج الآمن من هذا الوادي الموحش ، كانت التيوس والماعز تتقافز هنا وهناك أو تتناطح ، أو تصعد المرتفعات الصغيرة على جانبي الوادي ثم تنزل بحركات بهلوانية غريبة ، جعلتني أدعو الله لها بالشفاء من هذه الحالة الهستيرية المتخلفة ، فهذا ليس وقت المزاح والعبث ، حاولت تأديبها ولم أستطع ، ركضت وراءها لكي تلحق بالقطيع المؤدب من الخرفان والشياه ، لكنها كانت في ذروة الحالة الهستيرية ، وامعانا في الأذى الذي سببوه لي ، رأيت تيسا صغيرا يصعد جبلا صغيرا ثم يجلس هناك في غار واسع على قوائمه الأربع ، كأنه يستعد لتصوير مشهد سينمائي مؤثر ، في الوقت الذي كانت فيه بقية التيوس والماعز على وشك الهدوء خوفا من عصاي الطويلة ، وبدأت تأخذ طريق الخروج ، أخذت حصاة ورميت بها التيس الصغير، فرأيته بكل سخافة وبرود يتأمل الحجارة بصمت ، قلت له أنزل ولم يرد ، كان فقط ينظر في وجهي بلا اهتمام ، رميت عليه حصاة أخرى فاكتفى بمراقبة الحصاة وهي تتدحرج جواره ، في هذه اللحظة كان حولي ماعز صغيرة تدور وتلعب ، فكرت أن أرسلها له لإخراجه من الغار ، فخشيت أن تعجبها الفكرة وتمكث معه هناك .
قلت لا يوجد حل سوى أن أصعد الى هذا المتمرد السخيف ، صعدت بصعوبة ، وصلت بعد تعب الى الغار، أمسكت أذن التيس بيدي اليمني ، حرك التيس رأسه فانزلقت أذنه من بين أصابعي وأفلتت، ربما بسبب تعرق يدي، مسحت يدي في ملابسي حتى أصبح كفي أكثر خشونة، أمسكت أذنه اليسرى بيدي اليمنى من جديد، حرك التيس رأسه بقوة، ثم اداره للخلف بعنف، لكن كفي ظلت متشبثة بالأذن فاضطر التيس للوقوف على قوائمه حتى لا تلتوي رقبته ، وقف ونزل معي وهو صاغر، فاستمرت عملية التفير وخرجنا من الوادي بسلام ، وفي ذروة هذا النجاح العظيم ، انتبهت فوجدت نفسي مستلقياً على الصخرة، والناس يبحثون عني في البراري القريبة .
………….
*كاتب وروائي سعودي