الاختيار الأفضل

بيدرو
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

بيدرو مارتي

ترجمة: نجلاء فتحي الجعيدي

كنت، دائمًا، أدخن بمجرد استيقاظي، على مدار عشرين عامًا على الأقل. أول سيجارة كان عمري اثني عشرة عامًا، سرق صديقي المقرّب واحدة من والدته، التقينا بعد تناول الطعام لتدخينها في غرفة الخزين ببيته.

لقد أحببتها، تقريبا؛ لم أسعل، ولم أعد أرغب في التخلي عن التبغ.

أخبرني والداي بأنه سيكون من الصعب عليّ التنفس، وسأصاب بالدوار لاحقا. شعرت بكذبهم، حينها، وتغلبت على خوفي؛ ربما يكون هذا سبب تجربة أول سيجارة حشيش، كان عمري خمسة عشرة عاماً، وأول تذوق للكحول كنت في عمر ال السادسة عشر؛ بينما كانت اول شدة للكوكا كنت في عمر الثامنة عشر. الآن، فيما أنا  في الأربعين، أحاول أن أكون واعيا، فقط، وقت الغداء؛ لا يمكنني أن ألوم والدي على ذلك، بطريقة ما، فقد اخترت تلك الحياة، وفى الغالب قد حصلت عليها بالفعل، لقد استيقظت للتو دون أن يرن المنبه، كان هناك كوب من الماء ومنفضة سجائر وتبغ وولاعة على منضدة سريري. تناولت سيجارة فيما جسدي لا يزال تحت الملاءات، وكان أول نفس  في حوالى الساعة الحادية عشر صباحًا؛ طعمها كالانتصار، حتى لو لم تفهم ذلك بعد.

كان لدي وظيفة جيدة، من سن  الثلاثين إلى الخامسة والثلاثين، كان يقول الناس إنني أبدو شخصًا آخر، قد نضج، وكنت فخوراً بذلك.

الآن، أعتقد أن هذا كان جزءًا من المشكلة.

كنت أحصل على ألف وثمانمائة يوروهات صافية، شهريًا، وكنت أتمتع باثني عشرة يومًا إجازة في السنة، كنت مديرًا، وماهرا في عملي، لكن مقابل أي ثمن حصلت على كل هذا!

 كان علي أن أتوقف، وأفكر في طرح هذا السؤال على نفسي، ومع ذلك ولمدة خمس سنوات فضّلت عدم القيام بذلك، أعتقد أنني كنت مرتاحاً؛ أخيرًا، أصبحتُ شخصاً مثالياً، أخيرًا، والديّ فخوران بي.

كان يجب أن تنقطع الكهرباء لأكثر من يوم كامل لأكتشف ما كان يحدث؛ بعد نفاذ بطارية هاتفي الخلوي، مكثت في الظلام، مستلقيا على الأريكة. أنظر إلى السماء الخالية من النجوم في غرفة المعيشة؛ لم يكن لدي مصباح، لا شموع؛ فلِمَ كنت أحتاجهم؟ وفجأة، بعد عدة ساعات من التفكير وتداول الأمر برأسي، أدركت حكاية السيجارة.

طالما كنت أحلم بالحصول على وظيفة مثل هذه، لكني، أيضا، لست مستعدًا لأن أكون مديراً، ولا أطيق إصدار أوامر أو تلقيها، لكنني، كنت بحاجة إلى المال، وكانوا يدفعون جيدًا، لقد خدعتهم فى السيرة الذاتية وجواب التقديم، على أمل ألا يتحققوا من أي شيء، وهكذا صار الأمر.

بعد بضعة أيام كنت متنكرا داخل مكتب الموارد البشرية، بدون قرطي، مرتديا بدلة أنيقة، كنت أفكر في إعادتها فورًا بعد إجراء المقابلة.

لقد تركت انطباعًا جيدًا لديهم، حيث جاوبت عكس كل ما أعتقده وأؤمن به، في خلال ثلاثين دقيقة، حرّفت كل شيء لأثبت أنني من كانوا يبحثون عنه ونجحت.

 كنت قاب قوسين أو أدنى من نيل الوظيفة، وكانت الخطة أن أستمر في التظاهر، حتى أتوظف، من ثم الصمود لأطول فترة ممكنة، حتى يكتشفوا زيف فعلتي. من المحتمل أن يبدأ وصولي متأخرا، أو أتخلف عن آخر ميعاد للتقديم،  أو الأسوأ من كل ذلك، أن ينتهي الأمر بالصراخ فى وجه أحد البلهاء في مكتبه الخاص، حين يحيد عن الخط المرسوم. كان التحدي بالنسبة لي هو تحمل سنة واحدة على الأقل.

يؤول الوضع إلى إحدى اختبارات الاختيار الأخرى والتي كانت، نوعًا ما، كاختبارات نفسية، تتكون من أكثر من مائة سؤال؛ وضعني فى موقف لا أُحْسَد عليه، فظننت حينها أنها نهايتي.

 فكان يعُدّ تزوير السيرة الذاتية أو ترك الانطباع الجيد، خلال مقابلة استمرت لنصف ساعة، أمرًا هينا بالمقارنة بصعوبة خداع اختبار أجراه علماء نفس متخصصين، لاصطياد عصافير مثلي، رغم أنها كانت من أكثر الأسئلة غير المنطقية التي قد تواجهها، لكنني ركزت وحلّلت كل منها، بغض النظر عن مدى غبائها.

وأتذكر أن أحداهم في السؤال الثالث والعشرين، طرح ما يلي: ما هو أول شيء تفعله في الصباح؟

أ) تغسل وجهك

ب) الاستحمام

ج) تنظف أسنانك بالفرشاة

د) تتناول الفطور

حصلت على الوظيفة بفضل سببين؛ الأول، إدراك أن عليّ الاستمرار في الكذب، وكما تعلمون؛ فإن أول شيء أفعله عندما أستيقظ، أشعل سيجارة، وأحيانًا لا أستحمّ، ونادرًا ما أتناول الإفطار، لا أغسل وجهي أبدًا، لكن هذا الخيار لم يتم التفكير فيه حتى في الاختبار، لحسن الحظ. والثاني هو معرفة أن الخيار الصحيح كان (أ)؛ لأن المجنون فقط أو الخنزير، يفرش أسنانه قبل الإفطار. أما الاختيار (د) فمستبعد؛ إذ كنت تستحم أولاً، فمن الممكن أن تلطّخ قميصك بالزبدة أو المربى أثناء تناول الإفطار، بالاضافة إلى أن الكثير منا مبرمج على أن يتبرّز بعد آخر رشفة أول قهوة باليوم، والمدير، بالطبع، لن يقضي حاجته، أبدًا، بعد الاستحمام؛ فمن غير المعقول ملء فتحة الشرج المغسولة حديثًا بالقاذورات، لذلك فجليًّا أنه من الأفضل تناول الإفطار أولاً، ثم الاستحمام.

 بالنهاية، لا أعتقد أن هناك أي مجال للشك في أن أي شخص طبيعي وناضج ومسؤول سوف يغسل وجهه من المخاط والقذى قبل الجلوس على الطاولة.

أما إذا كان عليك تنظيف أسنانك بالفرشاة أو الاستحمام أولاً، بعد الإفطار، فأعتقد أن ذلك لا يهم.

أتخيل أنه في تلك التفاصيل الصغيرة، تكمن المساحة التي يمكن للمدير أن يمارس فيها إرادته الحرة.

أعتقد أن تحليلي كان صحيحًا، في الواقع حصلت على الوظيفة.

لقد أجبت بشكل عظيم على هذه الأسئلة غير المنطقية لدرجة أنه بعد قضاء عام بالشركة، اعترف لي رئيس قسم الموارد البشرية، أن تجربتي كانت أفضل اختبار رأوه على الإطلاق وحينها زهوت بالغباء.

في النهاية، لعبت دور المدير بشكل جيد، لدرجة أنهم لم يدركوا، أبدًا، إنني كنت في الواقع شخصًا غير مدرب، مولعا بشرب الخمر، كذابا ووضيعا.

لم يكن لديّ خيار سوى طلب الخروج الطوعي.

تُركت دون الحصول على مستحقات إنهاء التعاقد (عشرون يوم عمل مقابل كل سنة) وبدون إعانة البطالة.

غادرت وليس لدي أي شيء؛ كان الأمر أكثر إلحاحًا.

فى الليلة العاصفة، في عتمة غرفة معيشتي، أدركت أمر السيجارة، لم أدخن لفترة طويلة منذ استيقاظي، غسلت وجهي أولاً، ثم تناولت الإفطار، ثم الحمام، وأخيراً فرّشت أسناني، وكان ذلك مجرد غيض من فيض، كنت على يقين من أنني، في ذلك الوقت، كنت أحمق ذا مكتب خاص.

مقالات من نفس القسم