للوهلة الأولى .. يلفت نظرنا إسم المجموعة الغامض لكن ما نكاد ندخل إلى قلب المجموعة ، حتى تشعر بتلك الغابة والهواء البارد الذي يلفنا من كل ناحية نكتشف أن الموت راحه ، وأنه الحقيقة الخالدة ، السِتار الذي تغيب وراءه كل الأشياء .
قصص المجموعة هي تنويعات على معزوفة الموت ، الذي يتكرر فى كل النصوص ، حتى عندما يغيب صراحة نجد مفرداته كالرحيل – الوداع – السفر .
الموت في هذه المجموعة ليس نقيضا للحياة بل أحياناً يكون أكثر صدقاً من الحياة ذاتها ..ففى قصة ) الصعود نحو إبتسامة خابية ( نكتشف روعة الحب التي لا تتحقق إلا بالموت ، فعندما يصعد الرجل إلى السطح بجثة المرأة ..يقول ( أنظر إليها طويلاً .. أُحس سلام روحي – وجمال رائحة الياسمين ) فالتواصل والحب لا يتحققان إلا بالموت .
صور الشخصيات التي تموت نكتشف فيها نبض الحياة مثل ) قصة ظلال ( فعندما تتكلم البطلة عن صور الشخصيات المتوفاه والمعلقه على الحائط تقول ) عندما نزعت الشرائط السوداء بدوا أكثر حياة من قبل ( فطقس الموت لايعنى الحزن /الألم …فهناك احتفاء به في قصة )ظلال ( .
)كان ككفن أبى مخططاً بأقلام زرقاء زاهية ..أما أمى فكنا فى عجلة من أمرنا وجئ لها بكفن باهت (
غياب الآخر
ولأن الموت حاضر طوال قصص المجموعة فنحن لانكاد نلمح صورة للآخر ، فهو دائما في حالة غياب ، فتسأل البطلة فتى أحلامها بنوع من الشك هل تعود ؟.. كان ظله يمتد ويغيب ) الظل ( ، وهي تظل تحلم به في قصة ) ثلاث شعرات بطول الشعر( ..ويزداد عدد الشعيرات البيضاء وهو لا يأتي ، وتظل فى قصة ) الزائر ( تجمع حبات العقد المنفرط ، وتتلمسها بيدها ثم تعاود وضعها داخل الصندوق وهي تخفى شجنها الداخلي ، وسوف تفرغ كوبين من الشاى في قصة ) هكذا ( لكنها ستكتفى أنها تحتاج إلى كوب واحد فقط ، لأن لا أحد يشرب الكوب الآخر .
ولأن الموت هو قدر الأشياء دائما ، فالشخصيات دائما فى صراع بين الفعل واللا فعل ..فهى منسحقه تعتصر الآمها وتزحف إلى الداخل في صمت .. وحتى عندما تُحاول الخروج من هذه الدائرة فإن المحاولة نحو الخارج لا تكلل بالنجاح ) قصة الطريق ) فالكرة الصغيرة المثبتة فوق الحامل الموجود ، خلف الفترينة نراها وهى تنفلت من الدائرة ، لتعود مرة آخرى .. فى إنفلاتها ورجوعها نسمع صدى المحاولة ، لو أفلتت من الدائرة لنقرت زجاج الفاترينة لكنها أبداً لاتفعل .
وصراع الشخصيات وانسحاقها يأتي من الفجوة الواسعة بين الحلم / الحقيقة ، فحارس المسرح فى قصة ) وحدة ( : يقف كأنه دمية ، وهو يراقب نزول الستار ، ووسط الصمت والظلمة يصعد إلى خشبة المسرح يلبس التاج ذا الورق المذهب ويتدثر بعباءة الملك الخفيفة وهو يدخن سجائره الفرط .
الطفولة .. وعالم لا ينجو من الموت
وعلى الرغم من أننا نشعر بطزاجة هذا العالم وانطلاقه وفرحه ، فإنه هو الآخر لا ينجو من الموت فنجد في قصة )ركود( أن الولد ينزلق إلى الماء ويحرك كتل الأوراق الخريفية ، والبنت تُلقي بأوراق الوردة الحمراء التي ترقص على الماء وولد آخر يُلقي بالكرة ونكاد نشعر بالضجيج لكن الكرة تعود ، وتعود وراءها اﻷوراق الخريفية لتغطى سطح البركة ، كل هذا الأسى ..وكل هذه العذوبة .
نحن نستطيع أن نتخيل موت الأخرين لكن من الصعب أن نتخيل موتنا ، فالبطلة في قصة ) ظلال ( وهي تتكلم عن صور الموتى التي على الحائط .. تخاف أن توضع صورتها هى الآخرى .
نحن أفيال تواجه قسوة الحياة .. ولذلك فالكاتبة نجلاء علام تصرخ مع شخصياتها من قسوة الواقع .. ولا تكف عن التطلع إلى السماء الرحبة التي يُحلق فيها الحمام وتكتب رسالة لمن يهمه الأمر ( أفيال صغيرة لم تمت بعد ( .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الأهرام المسائي ، العدد : 2128 ، بتاريخ الأربعاء : 19 فبراير 1997 م