اكتشاف

اكتشاف
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

صفاء النجار

توقعت أن يجعلها فى البداية، فى الترتيب المبكر، كان بيده ذلك، كثيرًا ما كان يخرج ويهمس للريجيسير فتذهب واحدة للامتحان دون انتظار للدور، لماذا تركها للنهاية؟ لماذا أخرها؟، حتى السادسة مساء كانت وحدها، لم يكن معها ماكياج، كانت تجربتها الأولى والأخيرة، كل بنت معها ماكياجها، استحت أن تطلب منهن، الجوع والحر والعرق لزق شعرها، رغم أن التكييف مركزى، عندما جلست أمام الكاميرا أشار لها المساعد بمنديل ورقى كى تمسح عرقها، لم يكن لديها ما يجفف توترها، قلقها، إجهادها، ماذا ستقول لأمها، كيف ستعود؟ عليها أن تنسى كل شىء، بلوزتها الضيقة سقطت منها أزرار عند الصدر.

نزل من حجرة علوية:

إيه اللى جايبك هنا؟

-…..

بصى كده، بالذمة ده ينفع!! طبعًا ما ينفعش.

أمسك خديها بكفه ضغطهما للأمام وجههما للكاميرا، وأشار لشاشة تليفزيون امتلأت بوجهها.

طبعًا ما ينفعش.

خرست، بلعت لسانها، هى فعلًا تعرف أنه «ما ينفعش»، لكنها لا تحلم بدور النجمة، فقط أختها، صاحبتها، الخادمة، أى دور يمكن أن يكون، ليست جميلة لكنها ليست قبيحة كما أظهرتها شاشته، لا تريد أن تفتن أحدًا ولكنها تريد أى مكسب أكبر يحسن أحوالها، يومية الكومبارس مائة جنيه، أحسن من أى شىء آخر.

تأخذ كوب الشاى من زوجها، يسألها:

هى «أيام» لسة مجتش، كلميها شوفيها اتأخرت ليه.

حاضر هكلمها.

عندما عرفت أنها حامل ورد بخاطرها أن تسمى ابنتها «ليالى»، لكنها عدلت عن ذلك وأطلقت عليها «أيام»، كانت ترضعها مع لبنها حكايات الصاعدات والهابطات من البرج الزجاجى، ولكن أيام وقبل أن تحقق حلم أمها كان لديها رأى آخر فى الحياة، جذبها ابن الجيران الذى بدأت لحيته تنبت، فارتدت الإيشارب وبدأت تتردد على الزاوية المجاورة فى المنطقة وتحفظ القرآن، ارتبكت لحظة، ماذا تفعل، لا يوجد ما تقوله، الأمهات يشتكين من عدم التزام بناتهن، كانت الابنة جميلة، ملامحها مختلفة ملائكية كما تمنت لنفسها، وبوجهها نضارة ونضج يوحى بأكبر من عمرها، سيأتى الوقت المناسب الذى تقدمه لها، تقتصد جنيهات قليلة من دخل الكشك، تشترى «غويشة»، وراء الأخرى، الذهب ثمنه فيه، وتزداد قيمته، ستبيعه عندما تحتاج للاستعداد للامتحان، لن يعرف أنها ابنتها، وهل يعرف أمهات كل المعلقات على حائطها.

أيام تأخرت ليه يا حبيبتى؟، إيه اللى جاب الواد عندك؟، يا حلاوة على بتاع ربنا. عايز يقابلنى؟، ما هو عارف إنى فى الكشك، اتلمى يا بنت أمك، ٥ دقائق وتكونى عندى.. يعترض الزوج على لهجتها:

مش فاهم إنتِ قارشة ملحة عبدالرحمن ليه؟

ياخويا.

كان عليها أن تبتلع غصتها وابنتها ترتدى الإيشارب، يتسرب من بين يديها كل ما تمنته، فى البداية أقلقها الأمر وقالت عيلة وستمل الذهاب إلى المسجد بعد أسبوع، شهر، شهرين.. حتى أفاقت وأم الشاب تفاتحها فى خطبتها لابنها، رفضت، تحججت بسن البنت الصغيرة، مستقبلها بعد الدبلوم، كان رفضها نشازًا وحججها واهية، وتلقت القاضية من «أيام»:

مش هتجوز غيره.

أنا مش عايزاكى تتجوزى.. استطردت:

مش دلوقتى يعنى.

نظر لها زوجها مستنكرًا: ليه بقى؟

أشاحت بيدها، عليها أن تتقبل الأمر وأن تخرج ما اشترته من ثلاث غوايش تعطيها لها سترًا ليديها بجانب الخاتم الذى اشتراه العريس.

لم ينقطع أملها.. هذه مجرد خطوبة.. ولا أحد يعرف أين النصيب.

عند نهاية اليوم نزل من المبنى الزجاجى بمفرده، لم يتجه لسيارته، سار إليها، جلس على الكرسى القابع أمام الكشك، أحضرت له علبة السجائر.

وبنتك فين؟، مش شايفها يعنى؟.

يسأل عن ابنتها، يعرفها، ستكون الوجه الذى يبحث عنه.

راحت مشوار صغير وجايه.

لن تذكر موضوع الخطوبة، ابنتها نفسها ستنساه بين ممرات المبنى الأزرق.

وجهها مريح جدًا فيها شىء مختلف.

-… الحمد لله.

هى دارسة إيه؟

معهد متوسط.

كويس.

هل تطلب منه؟، يمكن أن تسأله إن كان يحتاج لوجوه جديدة، ستذهب معها لمحلات سور نادى الزمالك، ثلاث غوايش ثروة.

ما تبعتيها لى بكرة.

ابتسمت، ياااه أخيرًا.

ده عنوان بيتى.. محتاج واحدة نظيفة وفاهمة تنظف البيت، مديرة منزل، سكرتيرة..

-….

ولا أقولك ابعتيها الأول على المكتب.

وأشار للمبنى الأزرق.. وظلت ابتسامتها معلقة.

مقالات من نفس القسم

تراب الحكايات
موقع الكتابة

خلخال