تمنت لو أمكنها بتر شريط الزمن، لو تستطيع رتق الماضي البعيد بحاضر آخر ثابت، غير أن المدينة و أسوارها الباردة و شوارعها المبلطة الكئيبة خلفت في صخر معدنها النفيس نقوش البدائيين.
كانت بالمطبخ تنتظر الحساء حين زارهم رجل غريب، قيل لها إنه جاء من المدينة، و قيل إن المدينة عالم جميل.
تتذكر.. سقط المطر بالقنوط و نزل الليل بلحن حزين، حتى الكلاب التي كانت تدغدغ أحلام ليلها و تشعرها بالأمان أُخرِسَتْ، و أنشدت الريح طلائع عالم بديل.
تذكرت كذلك أن والدتها بكت و لم تخف عنها دموعها…
بعد شهر جاء الغريب و بمعيته رجلان و امرأة عجوز…
لم تشرق شمس الغد على روابي الأطلس، و ولى عالم حي خلف زحمة الناس و إشارات المرور.
ماذا قيل لوالدها ؟
لا تعلم.
و أما لُمَ سيقت إلى المدينة، فقد جاءها الجواب قبل أن تطرح السؤال :
بيعت بثمن بخس..
أربعة عشر ربيعا سقطوا على مشارف أول ليلة و عمر صيف طويل.. كبرت دفعة واحدة.. و صارت امرأة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
* قاص مغربي
خاص الكتابة