استحقاق

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin-top:0cm; mso-para-margin-right:0cm; mso-para-margin-bottom:10.0pt; mso-para-margin-left:0cm; line-height:115%; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin;}

تسنيم فهيد

ربما كانت جدتي هي السبب. فهي التي اعتادت دوماً على أن تدعو لي بأن ينصفني الله نصْفَة يتعجب لها البشر. ربما هي من رسخّت في ذهن العالم أن إنصافي شيءٌ يستدعي الدهشة و العجب. و ربما -أيضًا- كانت دعوتها هذه هي السبب الوحيد في كوني نشأت و أنا أعلم أني أستحق. وأني أهلا للإنصاف.

 كنت أتعامل مع الأمر وكأنه شيء مسلّم به. لم أكن أتحدث عن مدى أحقيتي في الاهتمام/الحب/التدليل/النجاح ، فالأمر مفروغ منه. و كنت أعتقد أن الكل يعرف ذلك و لابد أن يعاملني من هذا المنطلق. من منطلق أني أستحق. ـ”ألبرت” كان أول من خذلني بعدما تشكل في وعيي حقيقة أني أستحق. لذلك كان رد فعلي قاسيا بعض الشيء. لكني كنت مضطرة لذلك، فهو من بدأ، وما فعلته كان رد فعل فقط.

وكان لزامًا عليّ أن أتصرف حيال خيانته لي، و إلا سأكون بصمتي أعترف أني أستحق الخيانة/الوجع/ الخذلان. و لن يكون “ألبرت” الأخير في قائمة الخائنين. في البدء لم يرتابوا فيّ حين وجدوا جثته مسجاة في الصالة. لكن عدم بكائي و عدم اهتمامي و تعاملي مع الأمر بعادية مذهلة هو ما جعلهم يضيقون الخناق عليّ و يشكون في أمري. لكنهم في النهاية استبعدوا أن أكون متورطة في موته، فبعيدًا عن أن العنف ليس من طبعي ، هم يعلمون جيدًا مدى حبي له و تعلقي به. ربما ظنّوا أن ثباتي نوعا من أنواع اضطراب ما بعد الصدمة، لذلك غضوا البصر عنه. قد تعتقد أن “ألبرت” هو الخائن الوحيد الذي استحق العقاب. لكن القائمة تطول. قائمة الخذلان/ الوجع/ الاستهانة و في المقابل.. العقاب.

لن أُنكر أن إقدامي على قتل “ألبرت” سهّل علي الأمر فيما بعد. فخلال عشر سنوات لم أترك أحدًا خذلني/أوجعني/خانني أو رأى أني لا أستحق، إلا و لقنته درسه و أعلمته أني أستحق. قائمتي تطول. بدءً من المُدرّسة التي عاملتني بعصبية و ألقت في وجهي بالدفتر بعد أن تشاجرت مع زوجها في الهاتف، مرورًا بسائس الجراج الذي حاول أن يلمس جسدي و يقبلني بفمه كريه الرائحة، مرورًا بعامل البوفيه الذي أحضر لي قهوتي بدون وش في مقابلة العمل فجعلني أصمم على التوظف في هذه الشركة فقط كي أتسبب في فصله فيما بعد عقابا له على استهانته بي و اهتمامه المُلَاحَظ بمن يجري معي المقابلة.

خطيبي السابق الذي ظن أنه يُمكن أن ينجو بفعلته حين ضبطته يبتسم لأخرى تجلس على طاولة مجاورة. أستاذي في الجامعة الذي أقسم أن يشيّل القسم بأجمعه المادة و لم يرَ أني لا أستحق أن أُضع مع الجميع في سلة واحدة و أني على عكسهم لا أستحق ذلك. الوحيد الذي نجا من دائرة العقاب كان جدتي. كثيرًا ما خططت لمعاقبتها، لكني في اللحظة الأخيرة كنت أصفح عنها، فلولا دعوتها القميئة هذه ما كنتُ وعيت لكوني أستحق، وربما كنتُ أكملت حياتي بعادية لا تليق بي.

لذلك حين أخبرتُك في مرتنا الأولى عن قطي الأثير “ألبرت” ، وأني قتلته لأنه بدأ في التعلُق بغيري، كنت أظن أنك الوحيد الذي لن يخذلني أبدًا، لا خوفًا مني و لكن لأنك تؤمن فعلا أني لا أستحق ذلك. لا أُخفيك سرًا أني ترددت كثيرا في قتلك. لا لأني أحبك. و لكن لأني لم أتورط من قبل في قتل بشر. “ألبرت” كان تجربة القتل الوحيدة التي مررت بها، و كنت أحتاجها فعلا كي أرسّخ في ذهني حقيقة أني لا أستحق ذلك. لكن كونك تعرف عن أني لا أتهاون أبدًا في حقيقة أني لا أستحق الخذلان -و برغم ذلك خذلتني و أوجعتني- جعل من قتلك أمرًا مفروغًا منه.

كل ما أحتار فيه الآن، هل أخبر من سيجيء بعدك بقائمة العقاب كي يأخذ حذره ولا يخذلني ولو عن غير قصد. أم أتوقف عن سرد قصة حياتي مادام الجميع لا يتعلمون؟

   .

مقالات من نفس القسم