سعيد نصر
تدور رواية “احتياج خاص” للكاتب عمار علي حسن حول موظف تموين فقير نزيه، اسمه ممدوح علم الدين، لا يكفيه راتبه، ويضطر للعمل “فواعلي” في تعبئة الحبوب، ويحيا حياة بائسة في الواقع، يعاني فيها من قهر الوظيفة ونكد الزوجة، ويعيش في منامه حلماً غريباً متصلاً، لا مثيل له في العالمين، يصنع لنفسه فيه حياة مختلفة وجميلة يحمل فيها الاسم نفسه، لكنه يعمل أستاذاً لمادة علم النفس في جامعة القاهرة، وينعم فيها بالثراء ورغد العيش ونعومته.
عند اندلاع ثورة يناير يحكي ممدوح علم الدين حلمه الغريب للشباب ويحثهم على جعل العيش في مصر يتطابق مع العيش في حلمه الجميل، وعندما يعود إلى النوم يجد حلمه قد ضاع، فيبذل محاولات كثيرة لإعادته، دون جدوى، بسبب متابعات رجال الأمن له، والتضييق عليه، خشية التفات الناس إلى حلمه الغريب أو تبنيه والعمل على تحقيقه في الواقع المعيش، يبدو البطل أشبه بمن يعاني من فصام، لكنه فصام حميد على أي حال، فهو يعيش حياة موازية رغدة، لكنها ليست في الصحو، كما هي الحال بالنسبة لمن يعانون من مرض الفصام العقلي المعروفة أعراضه، إنما هو فصام في المنام، من خلال هذا الحلم الغريب المستحب.
تصنف الرواية بأنها اجتماعية نفسية، في الأساس، حيث تقع معظم أحداثها في أعماق الشخصيات الروائية، لاسيما البطل “ممدوح علم الدين”، وزوجته “سهام “، والدكتور “على النادي “، وهذا يجعلها مرآة عاكسة لما في نفوس معظم الناس وأداة تفسير للحياة والظروف التي يمرون بها. وتأتي الجوانب الاجتماعية والنفسية بالرواية في واجهة السرد، حيث الفكرة المركزية المتمثلة في الحلم الجميل المتصل المغاير للواقع القاسي، والحدث المركزي المتمثل في اختفاء البطل في غياهب البحث عن حلمه الضائع، وقيام صديقه بالبحث عنه بعد أن قرر كتابة رواية عنه، فيما تأتي الجوانب السياسة في خلفية السرد، حيث ذكريات وأحلام ثورة 25 يناير، لاسيما حلم الحرية والعدالة الاجتماعية. وعلى الرغم من وجود السياسة في خلفية السرد، إلا أنها تبدو – بفعل اللغة الشاعرية وسلاسة الأسلوب والبلاغة الناجزة التي تتميز بها الرواية – كالعلامة المائية ، وتزيد اللغة الشاعرية من الدفقة الشعورية في نفسية المتلقي،وذلك من خلال السرد الروائي المصحوب بـ “نوستالجيا” الحنين إلى الماضي، أي الحنين الشديد إلى 25 يناير.
وتظهر ثورة يناير في الخلفية بشكلً أوضح في الحالة “صحو6″ حيث ينزل ممدوح ميدان التحرير بدافع الحنين له، ويتعجب قائلاً ” “يااااااااااه أيها الميدان، أين أنت الآن؟ .. عدت مجرد مكان تدور فيه السيارات والمارة، وأنا معهم، ضائع يبحث عن موطئ قدم في هذه المدينة المتوحشة”، ويتحسر ممدوح مما يحدث، عندما يستمع لأناس جالسين على مقاهي بشارع شامبليون، حيث يحكي الراوي عن ممدوح، “انتبه إلى ما قاله أحدهم: كثير من الشباب سقطوا في إدمان المخدرات والخمور، وبعضهم كفر بكل شيء، وهناك من أقدم على الانتحار.” ، لكن آخر، سرعان ما أعاد الحديث إلى مجراه قائلًا: “خلينا في المأمون” .. وقال آخر، خافضًا صوته، وهو يتلفت حوله: “العيون منتشرة على مقاهي وسط البلد، تعد علينا أنفاسنا.”
يلتقي الراوي “سمير عبيد” مدرس اللغة العربية بالثانوي العام، ممدوح علم الدين في ميدان التحرير ويتعرف على حلمه ويعيش معه هواجس وتطلعات يوم “الحشد المهيب”، ويشهد على إصراره الشديد على مطالبة المصريين بالعمل على تحقيق الحلم، ويغيب البطل ويختفي عن أنظار الجميع، فيجتهد الراوي في البحث عنه في مقر عمله الأصلي ومقر عمله الإضافي ويسأله عنه زملائه وزوجته، ويجمع عنه معلومات من هنا وهناك ، ويكشف الكاتب عن سبب تفكيره العميق وقراره الحاسم بكتابة رواية يكون صديقه بطلها، حيث يقول، “حلمك أنت يا “ممدوح” كان غريبًا، وخاصًا جدًا، وجميلًا إلى أبعد ما يتصور الناس الجمال في روعته وتمامه. لك وحدك، لم يسبقك إليه أحد من العالمين كما كنت تقول لي دومًا. الحلم العجيب الذي أهداني، أنا “سمير عبيد” مدرس أول اللغة العربية، أن أكتب روايتي الأولى، لتكون أنت بطلها.”
تبدو رواية “احتياج خاص” رواية من داخل رواية، أو بناء روائي يحيط ببناء روائي آخر، بالضبط مثل النواة داخل الثمرة أو الصدفة داخل المحارة، وذلك بفضل فكرتها المبتكرة والحدثين المحوريين اللذان تدور حولهما الرواية، وهما الحلم المتصل والاختفاء عن الأنظار،ويتسم بناء الرواية ًبأنه غير تقليدي، حيث لا تنقسم الرواية إلى فصول، وإنما إلى خمس حالات يأخذها الإنسان قبيل النوم وخلاله وأثناء الخروج منه وفي اليقظة التامة، فيما يقوم السرد على فكرة ابتكرها الكاتب، تتمثل في حلم ليل متصل، يصنع لبطل الرواية، وهو شخص فقير ومقهور، حياة أخرى، ينعم فيها بالغنى والعزة والسكينة.
يتبدى إيمان بطل الرواية ممدوح علم الدين بقيم مثل العدل والمساواة والحرية والعدالة الاجتماعية في مقولة كان يقولها للراوي، وهي “يسار الدنيا يمين الآخرة”، ويظهر الراوي تأثره الشديد بصديقه وحنينه إليه ويكشف عن صلابة معدنه وثباته على مبادئه، حيث يقول “اختفى “ممدوح”، كأنه لم يكن، لكن دفء كلامه لا يزال قادرًا على أن يمنحني الدهشة والحنين في آن، لاسيما عبارته الأخيرة، التي أطلقها ونحن نغادر المقهى: “امض خلف أحلامك مبصرًا، ولا تسأل أحدًا”.
يشغل ممدوح أثناء تدريسه لمادة علم النفس في حلمه المتصل سؤال عريض مفاده، هل مطلوب من الناس أن يستسلموا للظلم والقهر والعبودية؟ ويستمتع في الحلم بعلاقة حميمة مع زوجته “سهى” الجميلة المثقفة، على عكس الحياة العاطفية الجافة مع “سهام”، زوجته النكدية في الواقع، حيث تهمل في نفسها وتسخر منه وتقلل من شأنه بقولها له يا “بقال!”، و تعايره بثراء مفتشي التموين الفاسدين، وتحرضه على الفساد بقولها له، ” لو فتحت مخك مثلهم لصار لنا ما لهم”، وتبكته بقولها على ابنتيه، “الحلال جعلهما مرضى بالأنيميا”، وتحتقره بقولها له، “لابد من غسل ملابسك بعيدًا عن بقية ملابسنا”، وتحرضه على الرشوة والاختلاس بلومها له على شرفه ونظافة يده، وذلك بقولها له” هذا سلو البلد .. وأنت لن تغير الكون”، فيما كانت “سهى” تسره بجمالها وتأسره بابتسامتها، وتشاركه أماله وأحلامه وتقاسمه اهتماماته وتمنحه الدفء العاطفي، وتتفاعل معه بلغة المثقفين المهتمين التواقين للحرية، إذ يقول لها، عندما وجدها مستبشرة، إبان الدعوة إلى تظاهرات 25 يناير 2011، “الغضب نار تحرقنا جميعًا”، فهزت رأسها مبتسمة، وقالت له في هدوء، “قد يكون طاقة تدفعنا إلى الأمام”.
تتسم السرديات الحوارية في الرواية بأنها معبرة عما في وجدان الشخصيات ودالة على الحالة التي يعيشونها ومؤثرة في المتلقي، لاسيما السرديات الحوارية الدالة على مواقف الشخصيات من ثورة يناير، لاسيما المتداخلة مع مشاهد وهج الحب وسخونته، ففي مشهد بين البطل وزوجته في الواقع “سهام” يحكي الراوي، ” لم تفرح، بل تملكها عجب من فحولته التي لم تعهدها، على الأقل منذ انقضاء أسبوع عسل واحد، مر أسرع من البرق، وجلست قبالته، وقالت له: “يبدو أن ما يقال عما يجري في الميدان صحيح يا ممدوح”، مد يده إلى سرواله، وارتداه على عجل، وسألها: “ماذا يقال يا سهام؟”، قالت، ” الميدان يعج بالتحرش والجنس الجماعي”، قهقه، ووقف عاري الصدر، وصرخ فيها، وكأن لم يفعلها من قبل، وقال ، “أكاذيب يضحكون بها على صغار العقول”، ويحكي الراوي في مقامً آخر، مشهداً بين البطل وزوجته في الحلم المتصل، ” قال ممدوح بعد المرة الثالثة:ـ كأني “هارون الرشيد”. ضحكت في عذوبة صافية وقالت:” أما أنا فكل نسائه وجواريه”، وقال لها بعد المرة الخامسة في ذات الليلة: “عصير شهوتي لا ينضب”، فقبلته في شفتيه طويلًا حتى امتزج رحيقهما وانقطعت أنفاسهما، وهمست في أذنه، “وأنا لا أشبع منك أبدًا”، فقال، “لا تكتمل حياتي إلا بوجودك”، فقالت، “عشقتك منذ أول مرة رأيتك فيها، وأدركت أنك نصفي الآخر الذي أتعبني انتظاره”.
يرسم الكاتب بفرشاة المشاكل والأحاسيس في الحالة “صحو3” لوحة بائسة لحياة البطل الواقعية مع زوجته سهام، فبما يحدد في الحالة “غشاوة 2” الأبعاد النفسية للعلاقة الطردية بين كراهية الزوجين ونفورهما العاطفي، ويحكي الراوي في “صحوة 3” عن عذاب الزوج بسبب العصبية الشديدة التي تعاني منها زوجته سهام ، وتزعج الجيران، وتجعلهم يشفقون عليه ويقولون له، “الله يعينك علي بلواك”، وتنعكس هذه الحالة على طفليه أحمد وهدى بمرض التبول اللإرادي، وما يتطلبه من الأب في ظل أم مريضة ومكتئبة ومقصرة في بيتها ومع أطفالها، وعندما كان ينصحها بعدم إزعاج الجيران، خشية الفضائح، كانت تقول له، “لا يخاف من الفضائح رجل بلا قيمة مثلك”، ولكنه كان يتحملها خوفاً من حصولها على الشقة حال تطليقها، واعتقاداً منه بأنها قدر وابتلاء من الله، يمنحه الصبر على متاعب الحياة.
تستعيد الحالة “منام 3” بالرواية ، مشاهد هلع الناس من العجز الجنسي في فيلم “النوم في العسل”، لكن بفلسفة مغايرة وحكي مختلف، حيث يشتكي الدكتور “علي النادي” أستاذ التاريخ الوسيط للدكتور ممدوح علم الدين، من العجز الذي أصابه في الشهور الأخيرة، ولم ينفع معه أدوية ولا أكلات، على الرغم من أن زوجته فاتنة الجمال، إذ تبدو عليه حالة الانكسار، ويربط بين ما يحدث له وسوء الحالة العامة وتدهورها، ويقول لممدوح، ” لم أعد قادرًا على الحديث في بيتي عن إصلاح حال البلد، بعد أن وقفت زوجتي ذات ليلة، وقالت لي في ضجر: “فكر في حالك، وانتصر لنفسك أولًا”، فينصحه ممدوح بأن يقرأ مسودة كتابه عن الجنس والرضا، وسرعان ما ينتقل الراوي من الخاص إلى العام ليؤكد العلاقة بين العجز الجنسي وتزايد المشاكل والهموم العامة، حيث ينظر النادي إلى ممدوح ويسأله والدموع تتحجر في مقلتيه: “أليس هناك مخرج مما آلت إليه أحوال البلد؟”
يغلب على الرواية طابع الثنائيات المتباينة، فبعضها متشابه وبعضها الأخر مختلف أو متناقض، وقد يكون الاختلاف والاتفاق في الطباع أو الهموم، وهذا كله يضفي على الفكرة المركزية والحبكة الدرامية طابع التشويق والإثارة، ومن أكثر الثنائيات تأثيراً، ثنائية البطل وصديقه، وثنائية زوجتي البطل في الوقع والحلم، وثنائية البطل والدكتور علي النادي، ويستخدم الكاتب السردية الواقعية كإطار عام للحكي الروائي، ولكنه لم يغفل السردية العجائبية، ورغم أن هذه السردية قليلة جدا في درجتها ويغلب عليها طابع الحالة، وليس طابع الحدث، إلا أن الكاتب استغلها لإظهار الحنين إلى يناير” تارة، وإبداء التطلع إلى الحرية والديمقراطية، تارة أخرى، وانتقاد الواقع السياسي ، تارةً ثالثة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، يحكي الراوي أن ممدوح علم الدين دخل إلي صفحة الدكتور “علي بموقع “فيسبوك” فوجده لم يكتب شيئًا فيها منذ ستة أشهر تقريبًا. كان آخر ما كتب: “كلما أردت أن أستريح وأقول لنفسي: علينا أن نخلي الطريق لجيل جديد، أتذكر أن جيلنا أوصل إليهم الشعلة مطفاة، وأنا الذي أضناني زمن المماليك بجروحه وقروحه ومآسيه، طالما تمنيت أن أغمض عيني على النهاية، بعد أن أكون قد فارقته، فإذا به يعود أقوى مما كان .. فتوة يسلمنا لبلطجي، والعدل غائب، والحرية سجينة، ولا أملك حيالها سوى الصمت واجترار خيباتي، وكل ما تبقى لي قدرة غاية في الضعف على مقاومة هذا الوحش الكاسر الذي ينهش نفسي”.
يتذكر الراوي تحت عنوان “بين الصحو والمنام ” مظاهرات و مشاهد 25 يناير، وكذلك الأحلام والتطلعات ومانشيتات الصحف، كما يتذكر موقع ممدوح فيها، ويسرد لبعض أرائه، ويرى الواقع السياسي محيرا له ولكثيرين وينتقده بلغة غير مباشرة، ويتندر على مآلات أصحاب هذا الحلم الجميل، وذلك خلال رحلة البحث عن ممدوح على المقاهي التي كان يرتادها، ومراجعة صور مشاركاته في الثورة من أرشيف الصحف، فمثلاً، يحكي الراوي على لسان رجل ربعة، “ سحب نفسًا طويلًا من النرجيلة التي كانت تحترق أمامه، وقال: هناك من رموا أجسادهم في الحشود الهاتفة كي تنفض نفوسهم عنها مرضها الطويل، لكنهم خرجوا أكثر مرضًا. هناك من أدمنوا المخدرات، ومعاقرة الخمر، وهناك من سقطوا في اكتئاب يفترسهم بلا رحمة”، ويحكي في مقامً آخر ، “حين ارتسم على وجهي خجل، جعل عينيَّ تبتعدان عن عينيه، كان الفزع يملأ عينيه هو، ثم نظر إليَّ وقال بصوت قاطع: لا تفهم خطأ، العجز عندي هو عدم القدرة على فهم ما يجري، كل ما تعلمته يبدو قاصرًا عن أن يُفهمني أنا أولا كيف وصلنا إلى هذه الحال المزرية، وبالتالي يكون بوسعي أن أجيب على من يسألونني، وهم كثر.”
لم تخلو الرواية من الرمزية التي تضفي عليها الجمال والإثارة، وتثير الدهشة في نفسية المتلقي، فالبطل ممدوح علم الدين، يرمز للذين عاشوا حلم يناير وتطلعوا إلى تغيير أحوالهم القاسية، ثم لاحقتهم المتاعب، حيث يحكي الكاتب عن البطل في نهاية الرواية، “أعرف جيدًا الشوارع التي سار فيها على غير هدى، يحكى حلمه للعابرين. بعضهم كان يهشّه كذبابة، وبعضهم كان يستمع إليه قليلًا ثم يمصمص شفتيه ويتركه يكمل حكايته للأرصفة وجدران البنايات. قلة تعجبت مما يقول، وظنت أنه ولىّ. رأيته في الأيام الأخيرة وقد نحل جسده وطالت لحيته وتمزقت ملابسه، وأوقف الحديث عن حلمه الغريب مكتفيًا بترديد اسم امرأة لا نعرفها. مَن هذه السيدة التي أدركنا من وصفه أنه لا مثيل لها في الحُسن والطيبة؟.. بحثنا جيدًا في تاريخه فلم نجد أثرًا.”
يوجد بالرواية أشياء أخرى لا يمكن تخيلها إلا رموزاً أو تعبيرات ذات دلالات رمزية، فالمرآة المكسورة في حمام ممدوح ترمز إلى انكسار حلم جيل كامل في تغيير الظروف والأوضاع إلى الأفضل، وتسمية ممدوح لطبيخ القلقاس ألذ الطعام وحبه الشديد له يرمز إلى صفة النقاء والطهر التي يتسم بها بطل الرواية، ويؤكد أنه مواطن مصري أصيل، وأنه كان محباً للحياة، من منطلق أن القلقاس في مصر القديمة كان يرمز إلى الحياة الجديدة والولادة الجديدة، ويبدو أن الحمام الضيق الموجود في شقة ممدوح يرمز إلى القيود المفروضة على الحريات العامة.
يزيد معدل الإثارة في حالة “فوق الصحو والمنام والغشاوة”، وهي نهاية الرواية، وتكمن الإثارة في دلالات ما وراء الكلمات والأحداث، حيث يظهر رجل أمن ويتباهى بأنه يعرف دبيب النمل عن كل الثوار ولديه تسجيلات وفيديوهات للمتظاهرين في الميدان طيلة الثمانية عشر يومًا، ويكشف أنه هو الذي أوحى لسمير عبيد أن يكتب رواية عن صديقه ممدوح علم الدين، وذلك عن طريق زميله مدرس علم النفس ، حيث كان ذلك المدرس يتعاون مع الأمن، طمعا في ترقيته مديرا للمدرسة التي يعمل بها. ويؤكد رجل الأمن أنه الوحيد الذي يعرف مصير ممدوح، ويقول،” رأيته يأكل من القمامة كما تُحصِّل الكلاب والقطط الضالة قوتها، ورأيته يلوك النفحات القليلة التي كان يعطيها إليه الدراويش في حضرات مساجد الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة.”
يتبدى جانب من تميز الرواية في الرسالة التي يريد بثها الكاتب، وهي أن الأمن لم يستطع معرفة أسرار وأبعاد حلم ممدوح الجميل المتصل، مما يعني أن حلم الحرية والديمقراطية باق، ويعترف رجل الأمن بذلك، إذ يقول ” هي “سهى”. من هذه السيدة التي عرفنا من وصفه لها أنها لا مثيل لها في الحسن والطيبة؟بحثنا جيدًا في تاريخ “ممدوح علم الدين” فلم نجد لها أثرًا.