وصل عماد بعد دقائق ليسألني: هل تعرف من هذه؟ .. أجبت بالنفي فقال إنها إيمان مرسال، إنها شاعرة من المنصورة. كنت قد سمعت بهذا الاسم من قبل، ولكن لم أكن قد قرأت له ما يمكن تذكره في ذلك الوقت، تلفت كي ألقي نظرة على الفتاة الشاعرة، فلمحتها على البعد ضئيلة الحجم بشكل واضح وذات شعر قصير، ذكرتني بالبنات الصغيرات اللاتي كن يلعبن الحجلة في شارعنا أيام الطفولة، البنات ذوات الأذرع والسيقان الرفيعة والشعر القصير الحر، غير أنه على نحو مفاجئ، قطع المشهد بائع جائل يحمل فوق رأسه ما يشبه السلة الكبيرة ، وما أن يمر الرجل بكامله حتى تكون البنت قد اختفت تمامًا.
لا أعرف كم مضى من الوقت بعد ذلك حتى تعثرت في اسم إيمان مرسال مرة أخرى، نزل الاسم تحت مجموعة من القصائد القصيرة التي كانت قد نشرت في واحد من الأعداد الأولى لمجلة الكتابة الأخرى، التي كان يحررها الشاعر هشام قشطة، أذكر الآن أن عنوان إحدى تلك القصائد كان “سقوط عادي”، وأذكر أيضًا، أنني بمجرد أن انتهيت من قراءة هذه القصائد غمرني شعور عميق بالفرحة والدهشة معًا دون أن أعرف لذلك سببًا، هل كان ذلك لأنها المرة الأولى التي يتبدد فيها إحساسي المزمن بالوحشة؟!. جائز .. لقد خيل لي حينها، أن ثمة تشابهًا عميقًا في زاوية النظر إلى العالم يجمعني بهذه الشاعرة، خيل لي أننا (أنا وإيمان)، أقرب ما نكون إلى طفلين يختبئان معًا في دولاب معتم لكي يتلصصا على أقرانهما من ثقب وحيد، نعم .. بدا الأمر وكأننا نملك زاوية نظر واحدة .. وقراءتين.
استولت عليّ أيامها رغبة في التعرف إلى إيمان، تمنيت أن ألتقي البنت النحيلة ذات الشعر القصير مرة أخرى كي أهمس لها بأنني فاهمها الوحيد، كان من الممكن أن يحدث هذا فعلاً لولا ستر الله، إذ عرفت في الوقت المناسب أنني لست فاهمًا أي شيء.
لا أعرف لماذا يروق لي أن أتذكر الآن شيئًا من قصيدة ” سقوط عادي “:
لم يكن هناك ما أتّكيء عليه
وأنا أُفتَّشُ عن مفتاحِ الكهرباء
لأُصدِّق،
أن الجثثَ التي أفشلُ في عدِّها
لا تُشاركني سريري.
الحائطُ أبعدُ ممّا ينبغي
وليس هناك ما أتكيء عليه
سقوطٌ عاديّ
وارتطامٌ بحوافٍ
غيّرتْ أماكنَها في العتمة.
ألم أقل لكم إن هناك دائمًا ما يجمعني بهذه الشاعرة في نصوصها، أنا أيضًا كنت كثيرًا ما أصطدم بالحواف التي تغير مواضعها، لا في العتمة فحسب .. بل في النور أيضًا.
II
لإيمان قصيدة بعنوان ” أتلفَّتُ “، أرى الآن أنها قد تصلح لأن تكون مفتاحًا مناسبًا للدخول إلى عالمها الإنساني المركب، تقول فيها:
في يقظةُ كائنٍ ينتظرُ انهيارًا ما
عادةً ما أتلفّت حولي
ربما لهذا…
لعنقي قوةٌ لا تُناسب جسدي
والمدهش
أنني لا أتوقّع رصاصًا حيًا
من الشوارع الجانبية الخالية
ولا مقصّات
– كوسيلة صامتة للقتل-
بل انتباه خاطف
على عيونٍ أكاد أعرفها
ولكنها قادرةٌ على القيام بالمهمة.
لم يفلت اسم إيمان من جماعات النميمة على مقاهي وسط القاهرة، وفي ظني، أن الشاعرة كانت –مثل معظم قريناتها من المبدعات في الوسط الأدبي- واحدة من ضحايا تلك الجماعات التي اعتادت أن تتسلى باغتيال الآخرين معنويًا، والمؤكد أن هذا الاهتمام الذي أحاطت به هذه الجماعات إيمان مرسال، كان ينطوي على معان لا تخفى على أحد، فالشاعرة كانت على ما يبدو شخصًا مؤثرًا للغاية – بغض النظر عن طبيعة هذا التأثير – في كل الذين مرت بحياتهم، أو مروا بحياتها.
كان من العادي مثلاً، أن تجد في صالون أتيلييه القاهرة من ينحني على أذنك فجأة ودون مقدمات: “هل قرأت الديوان الفلاني للشاعر الفلاني ؟” وقبل أن تفتح فاك يكون قد أكمل غامزًا ” لقد كتبه إبان علاقته بإيمان مرسال!”، وكان من العادي أيضًا، أن يتدخل آخر في الحوار هامسًا: ” وهل سمعت قصيدة فلان الأخيرة؟ .. إنها مكتوبة في إيمان مرسال “، والطبيعي بعد ذلك، أن يمتد الكلام عشوائيًا في كل اتجاه، كي يطال – في غالب الأحيان – شاعرًا راحلا يقال أن إيمان قد تخلت عنه بعد قصة حب معروفة، حسبما يشاع.
كان أمرًا عاديًا أيضًا، أن تصدر التقييمات والأحكام الأخلاقية في المقاهي والبارات عن كائنات بائسة يعاني معظمها من أزمات أخلاقية، بل وأزمات وجودية طاحنة، والأرجح أن عبارات التعريض بالشاعرة التي كانت تصدر عن هذه الكائنات المريضة، حملت في طياتها من الرغبات والآمال المحطمة بأكثر مما حملت من المعاني، إذ كانت تلك التقييمات تتراوح بسهولة غريبة بين نقائض حادة تصل بالمرء إلى حافة الضحك المرير، خاصة وأن المسافة بين تعبير مثل ( حد جميل أوي ) بالمصرية الدارجة، وبين تعبير آخر مناقض مثل ( بت صايعة )، لم يكن ليساوي أكثر من السنتيمترات التي قد تفصل بين كرسيين في مقهى بلدي صغير من مقاهي شارع شامبليون.
ولا أظنني بحاجة إلى التأكيد على أن مسعاي في هذا المقال لن يكون -على أي نحو- اصطناع صورة ملائكية لإيمان مرسال، وكأنها كائن منزه عن الخطأ، إيمان دون أي شك شأنها شأن كل إنسان له ما له وعليه ما عليه، وإن شئنا الدقة، فإن إيمان مرسال في نهاية الأمر لن تكون غير شعرها الذي يشي -في اعتقادي- بتجربة ثرية في الفن والحياة لا يمكن إهمالها على أي نحو، وهي تجربة تليق بمبدعة مستقلة وأصيلة.
صحيح أن الكلام عن إيمان كان نادرًا وقليلا بحكم ابتعادها عن مصر، ولكنه كان -على قلته- حريفًا، وذا نكهة خاصة بل ومربكًا إلى الدرجة التي كانت تخيفني منها أحيانًا، باعتباري حسب التعبير العامي شخصًا ( في حاله ) ومن النوع الذي يميل إلى الوثوق في الناس.
في الأخير، أصبحت – بشكل أو آخر – أخشى أن تقودني الظروف إلى الالتقاء بإيمان مرسال، على الرغم من احترامي لتجربتها، ولعلني كنت في ذلك غير راغب في مواجهة ما قد أضطر معه إلى كراهيتها، ومن ثم الوقوع في تناقض لا معنى له.
بيد أن ثمة ملاحظة في هذا السياق استرعت انتباهي، فقد بدا لي أن كثيرًا من الذين دأبوا على الإساءة إلى هذه السيدة في غيبتها، كانوا في ذات الوقت وبالمصادفة البحتة، من هؤلاء الذين يكنون لي نوعًا من الكراهية الخفيفة أو التحفظ على أقل تقدير، ومن هنا، جمع بيني وبين إيمان جامع جديد لا علاقة له بالشعر، فمثلما كانت إيمان – بالنسبة لهم – شخصًا ملتبسًا بحضوره الجارح، كنت أنا – بالنسبة لهم – شخصًا ملتبسًا أيضًا ولكن .. بحضوره الذي يبدو دائمًا وكأنه موشك على الغياب.
III
أمام الفترينات المضيئة
المزدهرة بالملابس الداخلية
لا أستطيع أن أمنع نفسي
من التفكير في ماركس
احترام ماركس
هو الشيء الوحيد المشترك بين من أحبوني
وسمحت لهم أن يخدشوا – بنسب مختلفةٍ –
عرائس القطن المخبأة في جسدي.
ماركس
ماركس
لن أسامحه أبدًا
تجرحني هذه القصيدة التي أسمتها الشاعرة ” احترام ماركس “، والتي ضمنتها ديوانها الثاني ” ممر معتم يصلح لتعلم الرقص “، يجرحني تفجعها العميق الذي يختبئ تحت شيء من الحسية الظاهرة، ويجرحني الموقف المركب الذي ينطوي – في لحظة واحدة – على كل هذه المحبة وكل هذا الغضب من ماركس، كأن المعنى الظاهر هنا يقول إننا لا نملك سوى أن نقع في حب أحلامنا، لأنها – ببساطة – اقتراحاتنا الأولى التي طرحناها على الحياة ونحن بعد في ريعاننا، إنها نحن كما نحب لأنفسنا، ولكننا في الآخر، لا نملك سوى أن نكرهها وأن نغضب منها حين يمضي بنا العمر، وتظل هي كما هي .. أحلامًا، أو حين نكتشف بالوقت أنها كانت محض توهمات لا أساس لها في هذا العالم، انخدعنا بها .. وخدعنا الآخرين.
يجرحني تكرار كلمة ” ماركس ” قرب نهاية النص، هذا التكرار الذي يستدعي صورة أمي السيدة الريفية البسيطة رحمها الله، حين كانت تكرر الكلمات بصوت هامس وهي تتنهد وكأنها تكلم نفسها أو تفكر بصوتها حين تركبها الهموم.
تكرار ” ماركس ” – في ظني – لم يكن إلا تنهيدة عميقة نقلت النص من عالمه الورقي إلى عالم إنساني حي من لحم ودم، وبمعنى آخر، هي تقنية بسيطة وتلقائية نقلت النص من عالم اللغة بطبيعته الغفل المحايدة، إلى عالم الكلام بتورطاته وانحيازاته، وتلك سمة أساسية وسمت تجربة إيمان مرسال في مجملها، إيمان دائمًا ما تلجأ إلى رسم مشاهدها هكذا بخطوط بسيطة، وألوان هادئة بما يشيع جوًا من الحيادية الظاهرة، فيما يتورط قارئها شيئًا فشيئًا تحت وطأة التكوينات التي تصنعها الشاعرة بمهارة وحساسية، نصوص إيمان إذن من هذه الزاوية فخاخ تجعل من قراءتها كتابة جديدة لذات النصوص.
أتذكر في هذا المقام أيضًا، ذلك الختام الهادئ لقصيدة اسمها ” العتبة “، وهي من ديوان ” المشي لأطول مسافة ممكنة “، إنه ختام يلعب على ذات المعنى الفاجع، إذ يشير إلى اليقظة المتأخرة التي تحيل الحلم إلى كابوس مفزع، ويشير إلى تسرب السنوات الأهم من أعمارنا فيما نحن قابضون على الأوهام:
لم يبقَ أمامنا غير مقابر”الإمام”
جلسنا فيها سنةً أخرى
نشم رائحة الجوافة
وعندما قررتُ أن أتركهم جميعًا
أن أمشي وحدي
كنت قد بلغت الثلاثين.
IV
لماذا جاءت إلى البلاد الجديدة؟ هذه المومياء؛
موضوع الفُرجة
ترقد بزينتها في كتّانٍ رماديّ: حياةٌ متخيلة
في فترينة متحف.
التحنيط مسألة ضد الخلود
لأن الجسد لن يكون أبدًا جزءًا من وردة
المومياء لم تختر هجرتها بينما هؤلاء الذين
انتظروا طويلاً في طوابير السفارات
وبنوا بيوتًا في بلادٍ أخرى يحلمون بالعودة
في نصها اللافت ” جغرافيا بديلة ” المنشور ضمن ديوانها الأخير الذي يحمل نفس الاسم، ترصد إيمان مرسال – بلغة تكاد تكون ملساء وقاسية مثل شظايا البللور- مأساة المهاجرين إلى العالم الجديد، هؤلاء الذين جاؤوا إلى أوطانهم الجديدة هاربين من جحيم الوطن الأم الذي غالبًا ما يكون رازحًا تحت وطأة الفاقة والفساد وانعدام العدالة، جاؤوا وهم يحلمون بأرض توفر لهم شروط الحياة الإنسانية الكريمة، لكن الحاصل هو أن المهاجرين لا ينسون لحظة واحدة أنهم مهاجرون، حمل المساكين أوطانهم الأولى معهم فلم يتمكنوا من الاندماج في ماكينة الحياة على الأرض الجديدة، إنهم يتفرجون على الحياة تقريبًا من وراء حاجز شفاف يحول بينهم وبين الانخراط فيها، أو كما تقول القصيدة:
تبدو الحياة وكأنها موجودة فقط لتُراقب من
بعيد.
تقيم الشاعرة جملة من المفارقات المدهشة التي تشي بتلك الحالة من التوحد والاغتراب التي ينزلق إليها المهاجرون حين يلحظون أن تلك الطبيعة الفاتنة التي تنتصب أمامهم، خالية من الروح؛ فالنهر الرقراق هذا، لم تعرف ضفته يومًا قبلات مختلسة لعاشقين هاربين، ولا يمر به سوى هؤلاء المتريضين صباحًا مع كلابهم، نهر لا يشعر به أحد فيتجمد من الوحدة، وهكذا، على الأرض التي حلم المهاجرون طويلاً بالوصول إليها، وتجشموا من أجل ذلك سنوات من الوقوف على أبواب السفارات، يبدأ لديهم الحلم المعاكس، حلم عودة الجثامين عند انقضاء الأجل إلى مقبرة العائلة في الوطن.
يجب أن تحملونا إلى هناك – هكذا يتركون
الوصايا في أعناق أولادهم –
كأن الموت هوية ناقصة
لا تكتمل إلا في مقبرة الأسرة.
الحس الساخر المرير لا يفارق لغة إيمان منذ كتاباتها الأولى، إنها تقنية رئيسة تنبثق تلقائيًا من ذلك الموقف المحايد الذي تحاول أن تخدعنا به طوال الوقت فتفضحه السخرية، يظهر هذا بوضوح حين تصف المهاجرين الذين “لا ينسون أنهم من هناك” بـ “الغرباء الفشلة”، بينما ينطوي هذا التقريع القاسي على حقيقة أخرى، وهي الإدانة الدامغة للمجتمعات التي جاء الغرباء إليها ينشدون الألفة فلم يجدوها، إنها المجتمعات التي تتشدق بالعدالة والحرية، فيما لم تجد غضاضة في نزع أرض من أصحابها الأصليين من الهنود الحمر ومنحها أوكراني وافد دون وجه حق، المجتمعات التي يظل جوهرها العنصري جامدًا إلى الحد الذي تجعل فيه من اللكنة عاهة ينبغي إخفاؤها:
الغرباء الفشلة
يدربون عضلات أفواههم على التخلص من
اللكنة، اللكنة هي المرض الوراثي الشفاف
الذي يفضحهم، يقفز عندما يغضبون فينسوا
كيف يضعون أحزانهم في لغة أجنبية
في النص سوف نرى المومياء محمولة إلى تلك البلاد البعيدة رغمًا عنها، مسلوبة الإرادة، بينما في ذات الوقت، يحلم المهاجرون بالعودة إلى الوطن باختيارهم أو هكذا يظنون، غير أننا نكتشف شيئًا فشيئًا، عبر الإيماءات والإشارات الشفيفة التي تبرق وتختفي داخل النص، أن فقدان الإرادة لم يكن إلا كعكة موزعة بالتساوي على الطرفين؛ الجثة الوافدة .. والجثة المقيمة.
V
ما الذي أعنيه الآن بهذه السطور؟!
حين طرحت على نفسي هذا السؤال، لم أهتد في البداية إلى دوافع واضحة ، كنت متأكدًا أن ما كتبته ليس نقدًا أدبيًا بالمعنى الصريح، ثم إنه أيضًا ليس مقالاً في الشأن الثقافي أو السياسي رغم التماسات الظاهرة، ومن جهة أخرى، لا يمكن أن تكون هذه السطور مجرد كتابة عن شخص يهمني أن يفهمه الناس كما أفهمه، لأنني ببساطة كما قلت، لست ممن يملكون الجرأة على الادعاء بأنهم يفهمون أحدًا في هذا العالم.
فكرت في لحظة خاطفة، أن هذه الكتابة ربما تكون نحيبًا من نوع خاص، نحيبًا على جيلي الحزين، جيلي المنكوب، الجيل الذي مات ربعه، وتشرد ربعه، ..وصمت ربعه.
ثم رجحت أخيرًا في ذهني فكرة أنني منشغل بنفسي ..
أنا -على ما يبدو– راغب في كتابة سيرتي الذاتية الآن، وبطريقة غير مألوفة ، راغب في كتابتها عبر كتابتي عن ذلك الآخر الذي ربما يكون قد وقع يومًا ما في مجال بصري أو في مجال خيالي، أكتب عنه ما دامت ذاتي ستظل هكذا أبعد من أن يطالها بصري أو خيالي.
نعم .. أنا مضطر إلى ذلك، بعدما صرت موقنًا أن لب حياتي كان –طوال الوقت- مصنوعًا من قشور الآخرين، وبعدما صرت موقنًا أن ما من أحد منا بقادر على اكتشاف نفسه بنفسه، بل ما من أحد منا يستطيع أن بنجو من خداع نفسه بنفسه.
أعرف أن كثيرين ممن اقتربوا من إيمان مرسال سوف يتهمونني بالغفلة أو الوقوع في الوهم عندما يقرؤون هذه السطور، وهم معذورون في ذلك بلا ريب ، سيما حين يكتشفون شساعة الفجوة بين الأصل الذي يخبرونه تمامًا كما يعتقدون، والصورة التي رسمتها توهماتي عن الأصل، أما أنا، فلن يكون بمقدوري سوى أن أصفح بدوري عنهم، لأنهم سيكونون قد وقعوا في الوهم حين سيخلطون بين المعرفة والعرفان.
إذن .. كتابتي عن إيمان مرسال وغيرها -في هذا المقام- ليست سوى طريقة خاصة في اكتشاف ما لا أعرفه عن نفسي، طريقة في تنكب سبل العرفان عبر رصد الكيفية التي يبني فيها ذهني فكرته عن الآخر، ولعلني كنت –ومازلت- آمل أن تحدث المعجزة مع الوقت، آمل أن أقابل وجهي ذات يوم في طيات تلك المسافة التي تفصل بين الآخر في وجوده المتعين، وبين صورته الغائمة في ذهني، أن ينكشف في الفضاء الفاصل بين الكتابة والحياة .. شيء من حقيقتي الشاردة.
ــــــــــــــــــــــــــ
القاهرة في أغسطس 2011