محمد الفخراني
في الحيوات العادية نجد التجارب الكبيرة، تجارب إنسانية كبيرة، نعرف هذا بمجرّد النَّظَر حولنا، والفُرْجَة على الحياة، والاستماع إلى حكايات البشر العاديّين.
لو نتأمّل الحيوات العادية، نجد أن كل حياةٍ منها تختلف عن غيرها في تفاصيلها، عكس ما قد يبدو لنا أو نعتقد.
ويتكلم شخص “عادي” بكلام هو في حقيقته أبعد وأعمق ممّا يبدو، لكنه فقط يقوله دون استعراض، بطبيعية، وطريقة عادية، لأن الأمر أصيل فيه وطبيعي.
“حياة عادية”، تَمُرُّ الحياة بداخلها في واحدة من أفضل حالاتها رسوخًا، تَمُرُّ بتأنٍّ، تتمهَّل قليلًا، حيث يمكن لأحدهم أن يُمَرِّر يده على رأسها، رأس الحياة، يلمس جسمها، يَشُمُّ رائحتها، ويتذوق طعمها، ينام في حضنها، وتنام هي في حضنه، في حياة عاديّة، ما يُهِمُّ هو أن يشعر أحدهم بمساحة الحياة التي لديه، وتشعر هي أيضًا به، ومن خلالها يمكنه أن يصنع مقاربة لجوهر الحياة، يُلامِسها، يعرف طعمها في فمه وتحت جلده وداخل قلبه وعقله وروحه.
ربما “الحياة اليومية” هي نفسها تجربة إنسانية كبيرة.
تلك الكلمات والأفكار التلقائية القصيرة التي تسمعها من شخص “عادي”، وتعرف على الفور أو بعد قليل أنّ بها العمق الذي كنت تفكر فيه وتبحث عنه، الحياة العادية ليس بها ادِّعاءات فكريّة أو شخصيّة، بها الكثير من التلقائية، كل ما هو موجود في كتب الفلسفة والحكمة من مصطلحات وأفكار، نجده في الحيوات العادية والأشخاص العاديّين، لكن دون أن يكون هذا في شكل مصطلح أو عنوان، إنما يتم ممارسة هذه الأفكار وعَيْشِها يوميًّا بتلقائية، ليس تحت مصطلحات أو عناوين كبيرة.
كم مرَّة توقفْتَ لتتأمَّل شخصًا “عاديًّا” وأنت مدهوش من تلك البساطة، وهذا الشيء الحقيقى جدًّا، وهذه الأفكار القوية، التي يقولها بطبيعية، أو تَصَرُّفاته التي يفعلها بتأنٍّ وسهولة، لأنه يفعلها كل يوم بتلقائية، هي نفسها الأفكار والتصرُّفات التي يُجْهِد الكثيرون أنفسهم كي يصلوا إليها، ويفعلونها، ويقرؤونها في كتب، ويتفرَّجون عليها في أفلام، ويسمعونها في محاضرات وندوات، هذه الأفكار نفسها تتكرَّر ومتوفرة جدًّا في الحيوات العادية، والأشخاص العاديّين، هل لاحظتَ ذلك يومًا؟
إنسان “عادي” تلقائي، راسخ بطريقةٍ ما، وبطريقةٍ ما غير مبالٍ، وأحيانًا يكون فيه بعض ما قد يعتبره البعض سذاجة، لكن.. لا، ليست سذاجة، وستعرف هذا بعد قليل أو كثير، إنها حُسْن نية تجاه العالم، هذا “العادي” لديه حُسْن نيّة تجاه العالم، ويتوقَّع أنّ العالم سيتعامل معه بحُسْن نيّة، ولا يُهِمّ ما يحدث بعدها.. فعلًا لا يُهِمّ.
في حياتي، كنت محظوظًا بأن قابَلْتُ كثيرين من الأشخاص “العاديّين”، بعضهم كان يُلَخِّص لي الحياة في جملة أو جملتين، أَذْكرهم جيدًا، وأَذْكر كل ما قالوه، كنت محظوظًا بمقابلتهم، أشخاص “عاديّين”، ودائمًا أتوقَّع منهم الكثير.
ربما.. كلما كان الإنسان إنسانًا أكثر كلما كان مُدْهِشًا أكثر.





