أول أيام العام

أول أيام العام
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

عبير درويش 

أعشق ذاك اليوم، هذا الصباح.. وبراءة الوجه الصافي، والعينين السوداوان الرائقتين، وتلك الجديلة التي تتأرجح أسفل كتفيكِ بأنشوطتها الحمراء.. خجلك الذي يخفي خالك الجميل، حين تلمحينني أسرق بعض النظرات، وشفاهك الصغيرة الوردية التي تفرطين في مواراتها حين تبتسمين، فأحول بصري في اتجاه آخر، فتتعثر خلجات نفسك ذات اليمين وذات اليسار، فتبادئي بالكلام وأنتِ تطرقين إلى الأرض، ويدكِ تحاول الوصول لتشتبك بأصابي.. وتمنحيني الرفاهية.

ـ كُل سنة وانت طيب.. حد يتولد أول يوم في السنة ؟

 

ترتجفين حين نتلامس، تنتفضين.. أخلع عني سترتي وأحوطك بها فترمقينني بنظرة وتبادرين القول:

ـ أنا موش سقعانة.

فأضم طرفي السترة على صدرك، فتتحسسينها فرحة.. أنتشي، أمتلك الكثير والكثير.. أركل الزجاج المنثور بالشارع مثل الكرة.. تبتسمين ساخرة منىي، يظهر خالك الغائر.. ينشطر قلبي، أرتفع عن الأرض وأحلق.. تمطر.. فنسرع الخطى نختبىء تحت مظلة الحافلات، ونستقل إحداها، ونروح ونجىء طيلة اليوم إلى أن يعرب المحصل عن استيائه.. أقضم أظافري وأنا أهرب من نظراته الملولة لي فتضحكين مني، وتصوبين نظرة بعينيك إلى ساعتك، تعني أن الوقت حان للرحيل فأرضخ.. تستقيمين وتخلعين عنكِ سترتي، وتلحين ببراءة بأن أتفقدها جيداً حين أعود.. أومىء لكِ، وألوح كعادة كل عام.

في آخر عامٍ كان هناك شئ ينبىء عن اختلاف.. لم تكن جديلتك تتأرجح، كان شعرك منسدلاً، وكان وجهك متصبغاً بألوانٍ دخيلة، خالت لي أنه متلطخ بشىء ما  في استهلالك عليَّ، حتى أني أخرجتُ منديلاً، وهممت أن أزيلها، وأصوب الرؤية، لم ألمح خالك، كان مطموراً طيلة اللقاء، كنتِ تحاولين جاهدة أن تخفي يديكِ في غور سترة كنتِ تستدفئين فيها “ليست لي”، كنت أشعر بتغير في الطقس والأرض والهواء، كنت أشخص إليكِ كثيراً، وأنت تتلعثمين وتوارين عينيك بعيدًا إلى لا شىء.

اليوم هو أول يومٍ في عامٍ آخر.. أمشي في نفس الطريق وأجول نفس الأماكن، أركل بقايا الزجاج المهشم من ليلة البارحة “سخطاً”، اليوم الشوارع مطفأة، الأفراح أخذت شكلاً مغايراً، لم يحدث شىء سوى أني وحدي أروح وأجىء طيلة اليوم على أرصفة الشوارع ذاتها ووسط المدينة، وداخل الحافلات.. أعوام كثيرة مرت، وغزا رأسي الشيب، كلٌ افترق في طريق، ربما رحلت، ربما تزوجت وأنجبت، ربما رحلت وأنا عرفت غيرها الكثير، وسلكت طرقاً أكثر طولاً وتعرجاً، وصاحبت وجوهاً ملطخة وأخرى “متعددة”، وقضمت الصبر وتجشأت الفراغ

فلم ما زلت في أول يومٍ من كل عام أبحث في حاشية سترتي عن هديتي المخبوءة ؟ وأقطع الطريق وسط بقايا احتفالات العام الجديد، وفي أول أيامه وتحت المطر أحملق في كل الوجوه عن فتاة بريئة الوجه، وذات عيونٍ سوداء صافية، وجديلة بأنشوطة حمراء

مقالات من نفس القسم