من خيال كاتب أو أقصوصة يحكيها أحدهم لأصدقائه المساطيل، قد أكون – في نظرك – حكاية مرعبة ترويها عجوز لتخيف أطفالاً صغاراً بل حتى لتريح نفسك تعتقد أنى فكرة داخل رأسك. ماذا أقول… قد أكون شقة في ناطحة سحاب أو فيلا على شاطئ البحر أو قصر مهيب تحيط به الحدائق، إذا كنت لم تقتنع أنى مكان فما فائدة أين أو كيف أنا موجود؟ حاول أن تتقبل وجودي أولا وبعد ذلك اسأل كما شئت، أعرف أنك تحاول أن تسألني سؤالاً لا يخطر على بال لتتأكد من شخصيتي.
ماذا تريد؟
أهذا هو السؤال… لا أريد شيئا سوى التكلم… فأنا وحيد لا أجد مكاناً مثلي لكي أحادثه… نعم هناك أماكن أخرى لها تاريخ وحيوات ولكنى لا أجد أحداً منهم هنا حتى أحادثه أو أعرف أخباره .
هل لكم حياة وحيوات؟
نعم… ماذا تظننا…. جوامد….هل يعنى أننا لا نتحرك… أننا جوامد… هل يعنى أننا لا نأكل أو نشرب مثلكم…إننا جوامد… هل تظن أننا لا نرى بعيون مثلكم ولا نسمع بأذان مثلكم…إننا جوامد… هل تظن لأنى وحيد أحقر من نفسي وأتنازل وأحادث واحداً منكم أيها البش .
لا تغضب لم أقصد تحقيراً، إنما قصدت معنى كلمة حيوات، فنحن البشر لنا حياة واحدة على الأرض وأخرى في السماء، في الآخرة؟
حسنا … أراك تقبلت فكرة أنى مكان… الحياة معناها ـ عندنا – هي كل شىء يحدث ويقال ضمن وجودي. بالبناء أولد وبالهدم أموت… إذا حدث واستخدم في البناء شىء من بقايا الهدم السابق في نفس حيز وجودي السابق تولد حياة أخرى ممتدة من حياتي السابقة، وهكذا يكون لنا حيوات .
و أنت هل لك حيوات
للأسف الشديد…لا… فمن بناني هنا لم يستخدموا أى شىء حتى ولو طوبة واحده من أى مكان سابق، إضافة لعدم إحاطتى بأى من الحدائق والأسوار… فقط رمال صفراء على امتداد البصر هكذا سمعت من الرجل الذي يسكنني الآن. جلس على الباب يستريح يوما كاملا، وحينما دخل غرفة النوم نام يومين بالتمام والكمال، وعندما استيقظ كان عطشاناً فأوحيت إليه بنبات بالقرب منى يختزن الماء .
أتوحى؟
نعم ليس هناك مشكلة على الإطلاق في هذا… يكفى أن يكون الشخص لا يفكر في شىء، وهذا الرجل لم يفكر حتى في عطشه، فأوحيت له بالنبات. كان رث الثياب بطريقة فظيعة، حالته تدل على معاناة رهيبة في الصحراء والرمال الصفراء.
تقول وحيد وتريد أن تتكلم… فلماذا تكلمني أنا؟
ألا تعرف معنى الوحدة، من بنوني ذهبوا، أتى ناس من كل بقاع الدنيا وذهبوا وأتى آخرون وذهبوا.
كل هؤلاء يتكلمون لغات مختلفة ولا يجمعهم إلا خيط واهٍ سبب مجيئهم هنا، ولكن حالما ينقطع ذلك الخيط، يذهبون، كل فترة أناس غرب وأحداث غير منطقية وتصرفات عجيبة حتى تعبت. فلا أحيا حياة طبيعية أو حتى أجد مكاناً آخر أشكو له فلم أجد غيرك… الوحدة يا صديقى… الوحدة.
– أه… الوحدة… أعرفها … إذن فلتحكى لي عنى الرجل القادم من الصحراء لنتسلى عن هذه الوحدة .
حسنا… هذا الرجل لا يشبه أيا مما سكنوني قبلا لا في اللغة أو الشكل أو الملبس ولا حتى في الخيط الواهي الذي يربطهم. اعتقدت في بادئ الأمر بعدما استراح ونام أنه أعمى، فلم يرَ ما في المطبخ من طعام أو ما في غرف النوم من ملبس ولا حتى دخل الحمام ليشرب – رغم أننى لا أملك ماء كما قلت لك – أخرج من قميصه أوراقاً صفراء متهرئة، وجلس على الأرض. يقرأ ويقرأ. فأدركت أنه ليس أعمى .
– أغبى هو ! رجل عانى في فيافي لا ترحم ويقرأ ماضياً ويترك ما لذ وطاب وكل ما توفره له يا سيد مكان من حاضر ومستقبل !
فكرت في هذا أيضاً… ولكن القراءة من ماضيه لا تجعله غبياً يا سيد بنى آدم وبما أنه منكم، فأكيد يمتلك عقلاً يفكر…لا .. لا أرتاح لكونه غبياً… ماذا يا ترى حدث له جعله يتصرف هكذا؟
– قد يكون ماضٍ مؤلمٌ بدرجة كبيرة أنسه حاله الآن .
وإذا كان… فحاله الآن يستدعى أن ينسَ ماضيه وإلا مات وحيدا فلن يغيثه أحد هنا… ألم أقل لك… الصحراء … الرمال الصفراء..
– إذا أوحى إليه ونبه .
لا… ليست فكرة طيبة…فأنا أوحى فقط بأشياء بسيطة. بسيطة بما يكفى لكي لا يشعر بها تغزو عقله، أما التنبيه وفكرة معقدة كتلك سيعتقد أنه مجنون، فحالته من معاناة أفقدته جزءاً من عقله… إيحائى سيزيد الطين بلة، لماذا لا تحاول أنت؟ بما أنك بنى آدم مثله.
– أنا أيضا لا أصلح…فأنا لا أعرف مأساة ماضية ولا أعرف إمكانياتك وما يتوفر عندك حتى أدله عليه… قد يسبب اقترابي منه نفور ولا أستطيع أن أعبر عن ما يصلح حاله فيفقد ما بقى من عقله.
ليس أمامنا إلا هو… أما أن يفيق ويعى ما حوله من طعام وملبس وماء وإلا مات
وأنا لا أحب أن يموت أحد بداخلي
لا أريد أن أكون مقبرة !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* قاص مصري
Fawest.blogspot.com
ــــــــــــــــــ
خاص الكتابة