أقول لنفسي: السنين تمر سراعاً،
ومهما يبدو لنا أن عددها كبير،
فلا بد لنا أن نمضي جميعاً تحت قبة الأبدية،
وساعةُ المرء هي أقرب من حبل الوريد.
حين أنظر إلى شجرة بلوط منفردة
أقول في نفسي: بطريرك الغابة.
ولسوف تُعَمِّر متجاوزةً عصري المنسيّ
مثلما تجاوزَتْ عصر أجدادي.
إذا تعاملتُ مع طفلٍ رضيع،
أقول في نفسي حالاً: وداعاً!
لسوف اترك لك مكاني،
إذْ لا بد لي أن أتلاشى فيما أنت تزهر.
في كل يوم وكل ساعة
اعتدت أن أتابع أفكاري،
محاولاً من خلال عددها أن أُخَمّن
السّنَةَ التي تجلب لي الموت.
وفي أيّ مكان سيرسل القَدَر بالموت إليّ؟
أفي المعركة، أم أثناء سفري، أم في البحار؟
أم أن الوادي المجاور
سوف يتلقي الرماد البارد لجسدي؟
ومع أن الجسد الخالي من الإحساس
لا يبالي في أي أرض يتعفّن،
إلّا أنّي أؤثر أن أستريح
على مقربة من الريف الذي تسكنه حبيبتي.
وأرجو أن تكون إلى جانب قبو القبر
حياة ممتلئة بالشباب تلهو إلى لأبد ،
وأن تظلَّ الطبيعةُ النزيهةُ اللامبالية
مشرقةً بالجمال الخالد.
———————————
ينتمي الشاعر والروائي والكاتب المسرحي الروسي الكسندر بوشكين إلى العصر الرومانسي. ويعدّ واحداً من أعظم شعراء روسيا ، ويعرف بأبي الأدب الروسي الحديث. وقد جمع في كتاباته بين اللغة الروسية المحلية والمؤثرات اللغوية الأجنبية مبتدعاً لغة روسية شعرية حديثة كان لها تأثير كبير على الكتاب الروس لاحقاً. وينسحب هذا التأثير إلى معظم الأشكال الأدبية (الشعر الغنائي والنثري، الرواية والقصة القصيرة، الدراما، المقالة النقدية، والرسالة الشخصية). كما أن أسلوبه الفريد في السرد، الذي يجمع بين الدراما والرومانسية والتهكم، شكّل أساساً للعديد من الأعمال الأوبرالية الشهيرة. كذلك فقد تم تحويل العديد من أعماله إلى أغانٍ وعروض لرقصات الباليه.
ولد بوشكين في موسكو في 6 حزيران / يونيو 1799 لأسرة تنتمي إلى طبقة النبلاء. في عام 1811 دخل الليسيوم الإمبراطوري، وهو مؤسسة تعليمية تقع بالقرب من مدينة بطرس بيرغ، كانت مخصصة لتعليم أبناء الطبقة الراقية وإعدادهم لتسلّم المناصب الرفيعة. وقد تخرج بوشكين من الليسيوم عام 1817. نشر أولى قصائده أثناء دراسته في الليسيوم ولم يكن قد تجاوز السنة السادسة عشرة من عمره. وفي عام 1820 نشر عمله الشعري المطوّل “رسلان ولودميلا.”
بدأ بوشكين يهتم بالإصلاح الاجتماعي بعد تخرجه من الليسيوم بفترة وجيزة، وأصبح يتحدث باسم الأدباء المتطرفين. ويعبر عن أفكاره السياسية في أعماله الشعرية مثل قصيدة “الحرية.” وأدّى ذلك إلى استياء القيصر منه فجرى نفيه إلى جنوب روسيا عام 1820 ومكث هناك حتى عام 1826.
في عام 1830 تزوج بوشكين من فتاة جميلة تدعى نتاليا. وكان لها الكثير من المعجبين ومن بينهم القيصر نفسه. وفي أواخر عام 1836 دارت إشاعات حول وجود علاقة غرامية بين نتاليا وضابط في جيش القيصر من أصل فرنسي، الأمر الذي أغضب بوشكين فدعى الضابط إلى المبارزة. وقد جُرح بوشكين في تلك المبارزة جرحاً بليغاً ولم يلبث أن توفي وذلك في 10 شباط / فبراير 1837.
من أهم أعمال بوشكين “الغجر” (قصيدة مطولة، 1824)، بوريس غودونوف (دراما، 1825)، بولتافا (قصيدة ملحمية تاريخية، 1829)، يوجين أونيجين (قصة شعرية، 1833)، ابنة الكابتن (روايةتاريخية، 1836).